كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر ورقة بن نوفل ونسبه

صفحة 85 - الجزء 3

  ماذا ترى؟ فأخبره رسول اللَّه خبر ما رأى فقال ورقة: هذا الناموس⁣(⁣١) الذي أنزله اللَّه تبارك وتعالى على موسى؛ يا ليتني فيها جذع⁣(⁣٢)، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك؛ قال رسول اللَّه : «أو مخرجيّ هم» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطَّ بمثل⁣(⁣٣) ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك لأنصرنّك نصرا مؤزّرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفّي.

  رأى بلالا يعذب لإسلامه فقال شعرا:

  قال الزّبير حدّثني عثمان عن الضحّاك بن⁣(⁣٤) عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال قال عروة: كان بلال لجارية من بني جمح بن عمرو، وكانوا يعذّبونه برمضاء⁣(⁣٥) مكة، يلصقون ظهره بالرّمضاء ليشرك باللَّه؛ فيقول: أحد أحد؛ فيمرّ عليه ورقة / بن نوفل وهو على ذلك يقول: أحد أحد، فيقول ورقة بن نوفل: أحد أحد واللَّه يا بلال! واللَّه لئن قتلتموه لاتّخذتّه حنانا⁣(⁣٦) كأنه يقول: لأتمسّحنّ به. وقال ورقة بن نوفل في ذلك:

  لقد نصحت لأقوام وقلت لهم ... أنا النذير فلا يغرركم أحد

  لا تعبدنّ⁣(⁣٧) إلها غير خالقكم ... فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد⁣(⁣٨)

  سبحان ذي العرش سبحانا نعوذ به ... وقبل قد سبّح الجوديّ والجمد⁣(⁣٩)

  مسخّر كلّ ما تحت السماء له ... لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد

  لا شيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد

  لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا

  ولا سليمان إذ دان الشّعوب له ... والجنّ والإنس تجري بينها البرد⁣(⁣١٠)


(١) الناموس في الأصل: صاحب السر أو صاحب سر الوحي، والمراد به جبريل #.

(٢) الجذع: الشاب الحدث، أي يا ليتني أكون شابا حين تظهر نبوّته حتى أبالغ في نصرته.

(٣) كذا في «صحيح البخاريّ». وفي جميع الأصول: «بما جئت إلخ».

(٤) كذا فيء، ط وسيذكر كذلك أكثر من مرة باتفاق الأصول، وفي أكثر الأصول هنا، «الضحاك عن عثمان عن عبد الرحمن ...» وهو تحريف. والضحاك بن عثمان إما أن يكون الضحاك بن عثمان بن الضحاك بن عثمان المتوفى سنة ثمانين ومائة وهو الذي وصفه الزبير بن بكار بأنه كان علامة قريش بأخبار العرب وأيامها وأشعارها وأحاديث الناس وهو الذي يروي الزبير بن بكار عن ابنه محمد كما سيأتي في ص ١٢٣، وإما أن يكون الضحاك بن عثمان جده المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومائة، لأن كلا منهما عاصر عبد الرحمن بن أبي الزناد الذي ولد سنة مائة وتوفي سنة أربع وسبعين ومائة.

(٥) الرمضاء: الأرض الحامية من شدة حر الشمس.

(٦) شرح «اللسان» هذه العبارة في مادة «حنن» فقال: الحنان: الرحمة والعطف، والحنان: الرزق والبركة؛ أراد لأجعلن قبره موضع حنان أي مظنة من رحمة اللَّه تعالى فأتمسح به متبركا كما يتمسح بقبور الصالحين الذين قتلوا في سبيل اللَّه من الأمم الماضية فيرجع ذلك عارا عليكم وسبة عند الناس، وضعف هذا الحديث بأن ورقة مات قبل مبعث النبي وبلال ما عذب إلا بعد أن أسلم، وهو ضعيف الإسناد لأنه مرسل وعروة تابعي لم يدرك عصر النبوة.

(٧) في ب، س، أ، م: «لا تعبدون».

(٨) كذا في ط، و «اللسان» مادة «حدد»، والحدد (بالتحريك): المنع، يقال: دونه حدد أي منع. وفي باقي الأصول: «جدد» بالجيم وهو تحريف.

(٩) في أ، م، ح: «نعود له» وهي رواية الرياشي: أي نعاوده مرة بعد أخرى، وفي «اللسان» في مادتي جود وجمد: «يعود له» وفي «معجم ياقوت»: «يدوم له» والجودي: جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح #، والجمد: جبل بنجد.

(١٠) البرد: جمع بريد وهو الرسول: وقد ورد البيت الثالث من هذه الأبيات في «كتاب سيبويه» غير معزو لأحد ذهب أكثر شراحه إلى أنه لأمية بن الصلت وقال بعضهم: إنه لزيد بن عمرو بن نفيل، وصوّب البغدادي في «الخزانة» ج ٢ ص ٣٩ أن هذا الشعر لورقة بن