خبر زيد بن عمرو ونسبه
  حجّ معاوية حجّتين في خلافته، وكانت له ثلاثون بغلة يحجّ عليها نساؤه وجواريه. قال: فحجّ في إحداهما فرأى شيخا(١) يصلَّي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان، فقال: من هذا؟ قالوا: سعية بن غريض، وكان من اليهود، فأرسل إليه يدعوه، فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين؛ قال: أوليس قد مات أمير المؤمنين! قيل:
  فأجب معاوية؛ فأتاه فلم يسلَّم عليه بالخلافة؛ فقال له معاوية: ما فعلت أرضك التي بتيماء؟ قال: يكسى منها العاري ويردّ فضلها على الجار؛ قال: أفتبيعها(٢)؟ قال: نعم؛ قال: بكم؟ قال: بستّين ألف دينار، ولولا خلَّة أصابت الحيّ لم أبعها؛ قال: لقد أغليت! قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثم لم تبل(٣)! قال: أجل، وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي [به](٤) نفسه؛ فقال: قال أبي:
  /
  يا ليت شعري حين أندب هالكا ... ماذا تؤبّنني به أنواحي
  أيقلن لا تبعد(٥)، فربّ كريهة ... فرّجتها بشجاعة(٦) وسماح
  ولقد ضربت بفضل مالي حقّه ... عند الشّتاء وهبّة الأرواح
  ولقد أخذت الحقّ غير مخاصم ... ولقد رددت الحقّ غير ملاحي
  وإذا دعيت لصعبة سهّلتها ... أدعى بأفلح مرّة ونجاح
  فقال: أنا كنت بهذا الشعر أولى من أبيك؛ قال: كذبت ولؤمت؛ قال: أما كذبت فنعم، وأمّا لؤمت فلم، قال: لأنك كنت ميّت الحقّ في الجاهلية وميّته في الإسلام، أمّا في الجاهلية فقاتلت النبيّ ﷺ والوحي حتى جعل اللَّه [ø](٧) كيدك المردود، وأمّا في الإسلام فمنعت ولد رسول اللَّه ﷺ الخلافة، وما أنت وهي! وأنت طليق(٨) ابن طليق! فقال معاوية: قد خرف(٩) الشيخ فأقيموه، فأخذ بيده فأقيم.
  / وسعية هذا هو الذي يقول:
  صوت
  يا دار سعدى بأقصى(١٠) تلعة(١١) النّعم ... حيّيت دارا على الإقواء والقدم
  وما بجزعك إلا الوحش ساكنة ... وهامد من رماد القدر والحمم
(١) كذا فيء، ط و «الإصابة» لابن حجر طبع مصر ج ٣ ص ١٦٧، وفي سائر الأصول: «شخصا».
(٢) كذا في ب، س، وفي أ، م: «أتبيعها».
(٣) كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «لم تبال» وكلاهما صحيح تقول: «لم أبال» وهو الأصل «ولم أبل» حذفت منها الياء تخفيفا، ونزلت اللام منزلة النون من يكن فسكنت للجازم وحذفت الألف لالتقاء الساكنين.
(٤) زيادة فيء، ط.
(٥) كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «لا يبعد» بالياء.
(٦) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «ببشارة» وقد تقدّمت هذه الرواية في ص ١٢٩ من هذا الجزء.
(٧) الزيادة عنء، ط.
(٨) أي من الطلقاء وهم الذين حاربوا النبيّ ﷺ من قريش وآذوه، فلما غلبهم عام الفتح خطبهم فقال: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟» قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (انظر «سيرة ابن هشام» ص ٨٢١ طبع أوروبا).
(٩) كذا في أكثر الأصول. وفيء، ط: «خرق» بالقاف.
(١٠) فيء، ط و «ياقوت»: «بمفضي».
(١١) تلعة النعم: موضع بالبادية استشهد له «ياقوت» بهذا البيت.