كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - ذكر معبد وبعض أخباره

صفحة 74 - الجزء 1

  فحملت إليه كَّلها، وحمل على البريد⁣(⁣١) من وقته إلى المدينة.

  خبر معبد مع الرجل الشاميّ الذي لم يستحسن غناءه

  قال إسحاق: وقال معبد: أرسل إليّ الوليد بن يزيد فأشخصت إليه. فبينا أنا يوما في بعض حمّامات الشأم إذ دخل عليّ رجل له هيبة ومعه غلمان له، فاطَّلى⁣(⁣٢) واشتغل به صاحب الحمّام عن سائر الناس. فقلت: واللَّه لئن لم أطلع هذا على بعض ما عندي لأكوننّ / بمزجر الكلب؛ فاستدبرته حيث يراني ويسمع منّي، ثم ترنّمت، فالتفت إليّ وقال للغلمان: قدّموا إليه [جميع]⁣(⁣٣) ما ها هنا، فصار جميع ما كان بين يديه عندي. قال: ثم سألني أن أسير معه إلى منزله فأجبته، فلم يدع من البرّ والإكرام شيئا إلا فعله، ثم وضع النبيذ، فجعلت لا آتي بحسن إلَّا خرجت إلى ما هو أحسن منه وهو لا يرتاح ولا يحفل لما⁣(⁣٤) يرى منّي. فلما طال عليه أمري قال: يا غلام، شيخنا شيخنا، فأتي بشيخ، فلما رآه هشّ إليه، فأخذ الشيخ العود ثم اندفع يغنّي.

  سلَّور في القدر ويلي علوه⁣(⁣٥) ... جاء القطَّ أكله ويلي علوه⁣(⁣٥)

  - / السّلَّور: السّمك الجرّيّ⁣(⁣٦) بلغة أهل الشأم - قال: فجعل صاحب المنزل يصفّق ويضرب برجله طربا وسرورا. قال: ثم غنّاه:

  وترميني حبيبة بالدّراقن⁣(⁣٧) ... وتحسبني حبيبة لا أراها

  - الدّراقن: اسم الخوخ بلغة أهل الشأم - قال: فكاد أن يخرج من جلده طربا. قال: وانسللت منهم فانصرفت ولم يعلم بي. فما رأيت مثل ذلك اليوم قطَّ غناء أضيع، ولا شيخا أجهل!


(١) البريد: مسافة تقدّر باثني عشر ميلا، ويطلق على الرسول المرتب لنقل الرسائل. وقد قال الخليل بن أحمد: إنه عربيّ مشتق من بردت الحديد إذا أرسلت ما يخرج منه، أو من برد إذا ثبت لأنه يأتي بما تستقرّ عليه الأخبار. وذهب آخرون إلى أنه فارسيّ معرّب.

قال ابن الأثير في «النهاية»: إن أصله «بريده دم» ومعناه مقصوص الذنب. وذلك أن ملوك الفرس كان من عادتهم أنهم إذا أقاموا بغلا في البريد قصّوا ذنبه ليكون علامة على أنه من بغال البريد.

وقد كان البريد موجودا في عهد الأكاسرة من ملوك الفرس والقياصرة ملوك الروم. أما في الإسلام فقد ذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل»: أن أوّل من وضعه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان وأحكمه بعده عبد الملك بن مروان أه باختصار عن «صبح الأعشى» ج ١٤ ص ٣٦٦ - ٣٧٢.

(٢) اطَّلى: لطخ نفسه بنورة أو نحوها.

(٣) زيادة في ت.

(٤) الذي في «اللسان»: حفله وحفل به، مثل بالاه وبالى به.

(٥) لعلّ هذه لهجة شامية إذا ذاك في كلمة «عليه».

(٦) الجرّيّ كذّميّ: حوت يكون بنيل مصر طويل أملس ليس له فصوص ولا ريش وله رأس إلى الطول وفم مستطيل كالخرطوم، وسماه ديسقور يدوس «سلورس». وقال إسحاق بن سليمان: أهل مصر يسمون الجرّيّ «السّلَّور» (انظر «مفردات ابن البيطار» مادة أرى).

وقد ضبطه صاحب «القاموس» في مادّة «صلور» بأنه كسّنور. وذكره ابن الأثير في «النهاية» في حديث عمّار: «لا تأكلوا السلور والأنقليس» وفسر الصلور بالجرّيّ، والأنقليس بالمار ما هي، وقال: إنهما نوعان من السمك كالحيات.

(٧) الدّراقن كعلابط وقد تشدّد الراء، قال السيد مرتضى: وهو المشهور على الألسنة، وقد فسره صاحب «القاموس» بأنه المشمش.

وذكر السيد مرتضى قول ابن دريد: إن عرب الشأم يسمون الخوخ «الدراقن» وقال: إن تفسيره بالمشمش غير معروف. (انظر «تاج العروس» مادة دراقن).