2 - ذكر معبد وبعض أخباره
  معبد وابن عائشة
  قال إسحاق: وذكر لي شيخ من أهل المدينة عن هارون بن سعد: أن ابن عائشة كان يلقي عليه وعلى ربيحة(١) الشّمّاسيّة، فدخل معبد فألقى عليهما صوتا، فاندفع ابن عائشة يغنّيه وقد أخذه منه؛ فغضب معبد وقال:
  أحسنت يا بن عاهرة(٢) الدّار، تفاخرني! فقال: لا واللَّه - جعلني اللَّه فداءك يا أبا عبّاد - ولكنّي أقتبس منك، / وما أخذته إلَّا عنك، ثم قال: أنشدك(٣) اللَّه يا بن شمّاس، هل قلت لك: قد جاء أبو عبّاد فاجمع بيني وبينه أقتبس منه؟ قال: اللَّهم نعم.
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه(٤) قال:
  قيل لابن عائشة، وقد غنّى صوتا أحسن فيه فقال: أصبحت أحسن الناس غناء، فقيل له: وكيف أصبحت أحسن الناس غناء؟ قال: وما يمنعني من ذلك وقد أخذت من أبي عبّاد أحد عشر صوتا، وأبو عبّاد مغنّي أهل المدينة والمقدّم فيهم!(٥) أخبرنا وكيع قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال حدّثني أيّوب بن عباية عن رجل من هذيل قال:
  قدومه مكة والتقاؤه بالمغنين بها
  قال معبد: غنّيت فأعجبني غنائي وأعجب الناس وذهب لي به صيت(٦) وذكر، فقلت: لآتينّ مكَّة فلأسمعنّ من المغنّين بها ولأغنّينّهم ولأتعرّفنّ إليهم، فابتعت حمارا فخرجت عليه إلى مكَّة. فلمّا قدمتها بعت حماري وسألت عن المغنّين أين يجتمعون؟ فقيل: بقعيقعان(٧) في بيت فلان، فجئت إلى منزله بالغلس(٨) فقرعت الباب، فقال:
  من هذا؟ فقلت: انظر عافاك اللَّه! فدنا وهو يسبّح ويستعيد كأنه يخاف، ففتح فقال: من أنت عافاك اللَّه؟ قلت:
  رجل من أهل المدينة. قال: / فما حاجتك؟ قلت: أنا رجل أشتهي الغناء، وأزعم أني أعرف منه شيئا، وقد بلغني أنّ القوم(٩) يجتمعون عندك، وقد أحببت أن تنزلني في جانب منزلك وتخلطني بهم، فإنه لا مئونة عليك ولا عليهم منّي(١٠). فلوى(١١) شيئا ثم قال: انزل على بركة اللَّه. قال: فنقلت متاعي فنزلت في جانب حجرته. ثم جاء القوم حين أصبحوا واحدا بعد واحد(١٢) حتى اجتمعوا، فأنكروني وقالوا: من هذا الرجل؟ قال: رجل من أهل المدينة
(١) لم نعثر على ضبطه وقد ضبطناه قياسا على تسميتهم «ربيح» بالتصغير.
(٢) كذا في ر. وفي أم،: «يا بن عائشة» وفي سائر النسخ: «يا بن عاهة الدار».
(٣) في ح، ر: «أنشدك باللَّه» وكلاهما صحيح.
(٤) في س: «أخبرني الحسين عن ابن حماد عن أبيه» وفي ب، ر: «أخبرني الحسين بن حماد عن أبيه» وفي ح: «أخبرني الحسن بن حماد عن أبيه» وكلها أسانيد مضطربة. وقد اعتمدنا ما أثبتناه في الصلب وقد تقدّم مرارا.
(٥) كذا في ح، ر. وفي ت: «ومتقدّمهم» وفي سائر النسخ: «والمقدّم منهم عليهم».
(٦) في ت، ح، ر: «صوت». والصوت والصّات والصّيت: الذكر.
(٧) قعيقعان: اسم قرية بها مياه وزروع ونخيل قرب مكة بينها وبين مكة اثنا عشر ميلا (ياقوت).
(٨) الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.
(٩) في ت: «المغنّين».
(١٠) في ت: «في ذلك».
(١١) أي تمكَّث قليلا.
(١٢) في ت «واحدا واحدا».