كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - ذكر معبد وبعض أخباره

صفحة 75 - الجزء 1

  معبد وابن عائشة

  قال إسحاق: وذكر لي شيخ من أهل المدينة عن هارون بن سعد: أن ابن عائشة كان يلقي عليه وعلى ربيحة⁣(⁣١) الشّمّاسيّة، فدخل معبد فألقى عليهما صوتا، فاندفع ابن عائشة يغنّيه وقد أخذه منه؛ فغضب معبد وقال:

  أحسنت يا بن عاهرة⁣(⁣٢) الدّار، تفاخرني! فقال: لا واللَّه - جعلني اللَّه فداءك يا أبا عبّاد - ولكنّي أقتبس منك، / وما أخذته إلَّا عنك، ثم قال: أنشدك⁣(⁣٣) اللَّه يا بن شمّاس، هل قلت لك: قد جاء أبو عبّاد فاجمع بيني وبينه أقتبس منه؟ قال: اللَّهم نعم.

  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه⁣(⁣٤) قال:

  قيل لابن عائشة، وقد غنّى صوتا أحسن فيه فقال: أصبحت أحسن الناس غناء، فقيل له: وكيف أصبحت أحسن الناس غناء؟ قال: وما يمنعني من ذلك وقد أخذت من أبي عبّاد أحد عشر صوتا، وأبو عبّاد مغنّي أهل المدينة والمقدّم فيهم!⁣(⁣٥) أخبرنا وكيع قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبي قال حدّثني أيّوب بن عباية عن رجل من هذيل قال:

  قدومه مكة والتقاؤه بالمغنين بها

  قال معبد: غنّيت فأعجبني غنائي وأعجب الناس وذهب لي به صيت⁣(⁣٦) وذكر، فقلت: لآتينّ مكَّة فلأسمعنّ من المغنّين بها ولأغنّينّهم ولأتعرّفنّ إليهم، فابتعت حمارا فخرجت عليه إلى مكَّة. فلمّا قدمتها بعت حماري وسألت عن المغنّين أين يجتمعون؟ فقيل: بقعيقعان⁣(⁣٧) في بيت فلان، فجئت إلى منزله بالغلس⁣(⁣٨) فقرعت الباب، فقال:

  من هذا؟ فقلت: انظر عافاك اللَّه! فدنا وهو يسبّح ويستعيد كأنه يخاف، ففتح فقال: من أنت عافاك اللَّه؟ قلت:

  رجل من أهل المدينة. قال: / فما حاجتك؟ قلت: أنا رجل أشتهي الغناء، وأزعم أني أعرف منه شيئا، وقد بلغني أنّ القوم⁣(⁣٩) يجتمعون عندك، وقد أحببت أن تنزلني في جانب منزلك وتخلطني بهم، فإنه لا مئونة عليك ولا عليهم منّي⁣(⁣١٠). فلوى⁣(⁣١١) شيئا ثم قال: انزل على بركة اللَّه. قال: فنقلت متاعي فنزلت في جانب حجرته. ثم جاء القوم حين أصبحوا واحدا بعد واحد⁣(⁣١٢) حتى اجتمعوا، فأنكروني وقالوا: من هذا الرجل؟ قال: رجل من أهل المدينة


(١) لم نعثر على ضبطه وقد ضبطناه قياسا على تسميتهم «ربيح» بالتصغير.

(٢) كذا في ر. وفي أم،: «يا بن عائشة» وفي سائر النسخ: «يا بن عاهة الدار».

(٣) في ح، ر: «أنشدك باللَّه» وكلاهما صحيح.

(٤) في س: «أخبرني الحسين عن ابن حماد عن أبيه» وفي ب، ر: «أخبرني الحسين بن حماد عن أبيه» وفي ح: «أخبرني الحسن بن حماد عن أبيه» وكلها أسانيد مضطربة. وقد اعتمدنا ما أثبتناه في الصلب وقد تقدّم مرارا.

(٥) كذا في ح، ر. وفي ت: «ومتقدّمهم» وفي سائر النسخ: «والمقدّم منهم عليهم».

(٦) في ت، ح، ر: «صوت». والصوت والصّات والصّيت: الذكر.

(٧) قعيقعان: اسم قرية بها مياه وزروع ونخيل قرب مكة بينها وبين مكة اثنا عشر ميلا (ياقوت).

(٨) الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.

(٩) في ت: «المغنّين».

(١٠) في ت: «في ذلك».

(١١) أي تمكَّث قليلا.

(١٢) في ت «واحدا واحدا».