كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - ذكر معبد وبعض أخباره

صفحة 76 - الجزء 1

  خفيف يشتهي الغناء ويطرب عليه، ليس عليكم منه عناء⁣(⁣١) ولا مكروه. فرحّبوا بي وكلَّمتهم، ثم انبسطوا / وشربوا وغنّوا، فجعلت أعجب بغنائهم وأظهر ذلك لهم ويعجبهم مني، حتى أقمنا أيّاما، وأخذت من غنائهم وهم لا يدرون أصواتا وأصواتا وأصواتا. ثم قلت لابن سريج: أي⁣(⁣٢) فديتك! أمسك عليّ صوتك:

  قل لهند وتربها⁣(⁣٣) ... قبل شحط⁣(⁣٤) النّوى غدا

  قال: أو تحسن شيئا؟ قلت: تنظَّر⁣(⁣٥)، وعسى أن أصنع شيئا، واندفعت فيه فغنّيته، فصاح وصاحوا وقالوا: أحسنت قاتلك اللَّه! قلت: فأمسك⁣(⁣٦) عليّ صوت كذا فأمسكوه عليّ، فغنّيته، فآزدادوا عجبا وصياحا.

  فما تركت واحدا منهم إلا غنّيته من غنائه أصواتا قد تخيّرتها. قال: فصاحوا حتى علت أصواتهم وهرفوا⁣(⁣٧) بي وقالوا: / لأنت أحسن بأداء غنائنا عنّا منّا. قال: قلت: فأمسكوا عليّ [ولا تضحكوا⁣(⁣٨) بي حتى تسمعوا من غنائي⁣(⁣٩)]، فأمسكوا عليّ؛ فغنّيت صوتا من غنائي فصاحوا بي، ثم غنّيتهم آخر وآخر فوثبوا إليّ وقالوا: نحلف باللَّه إنّ لك لصيتا واسما وذكرا، وإنّ لك فيما ها هنا لسهما عظيما، فمن أنت؟ قلت: أنا معبد. فقبّلوا رأسي وقالوا: لفّقت⁣(⁣١٠) علينا وكنّا نتهاون بك ولا نعدّك شيئا وأنت أنت. فأقمت عندهم شهرا آخذ منهم ويأخذون منّي، ثم انصرفت إلى المدينة.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  قل لهند وتربها ... قبل شحط النّوى غدا

  إن تجوي فطالما ... بتّ ليلي مسهّدا

  أنت في ودّ بيننا ... خير ما عندنا يدا

  حين تدلي مضفّرا ... حالك اللَّون أسودا

  الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج عن حمّاد ولم يجنّسه. وفيه لمالك خفيف ثقيل أوّل بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وقال الهشاميّ: فيه لابن محرز خفيف ثقيل بالوسطى.


(١) في ت: «غبن» وفي بعض النسخ «عين أو غين» وهما مصحفان عنها.

(٢) كذا في ت، ح، ر يريد: يا مولاي، أو يا سيدي، فأي للنداء، والمنادى محذوف وفي سائر الأصول: «إني فديتك».

(٣) التّرب: الَّلدة وهو من يماثلك في سنّك، وأكثر ما يستعمل التّرب في الإناث.

(٤) الشّحط: البعد.

(٥) تنظَّر: تأنّ وتريّث.

(٦) في ح، ر: «وأمسك».

(٧) هرف بفلان (من باب ضرب) هنا: مدحه حتى جاوز القدر في الثناء والإطراء.

(٨) يقال: ضحك به ومنه بمعنى.

(٩) هذه الجملة ساقطة من ت، ح، ر.

(١٠) أي سترت علينا أمرك حتى لم نعرفك.