كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عكاشة العمي ونسبه

صفحة 177 - الجزء 3

  إني لأيأس منها ثم يطمعني ... فيها احتقارك للدنيا وما فيها

  قال: فعملت فيه لحنا وغنيّته به، فقال: ما هذا؟ فأخبرته خبر أبي العتاهية، فقال: ننظر فيما سأل، فأخبرت أبا العتاهية، ثم مضى شهر فجاءني وقال: هل حدث خبر؟ فقلت: لا، قال: فاذكرني للمهديّ، قلت: إن أحببت ذلك فقل شعرا تحرّكه وتذكَّره وعده حتى أغنّيه به، فقال:

  صوت

  ليت شعري ما عندكم ليت شعري ... فلقد أخّر الجواب لأمر

  ما جواب أولى بكلّ جميل ... من جواب يردّ من بعد شهر

  قال يزيد: فغنّيت به المهديّ فقال: عليّ بعتبة فأحضرت، فقال: إنّ أبا العتاهية كلَّمني فيك، فما تقولين، ولك وله عندي ما تحبّان مما لا تبلغه أمانيكما؟ فقالت له: قد علم أمير المؤمنين ما أوجب اللَّه عليّ من حقّ مولاتي، وأريد أن أذكر لها هذا، قال: فافعلي؛ قال: وأعلمت أبا / العتاهية، ومضت أيّام فسألني معاودة المهديّ، فقلت: قد عرفت الطريق فقل ما شئت حتى أغنّيه به، فقال:

  صوت

  أشربت قلبي من رجائك ما له ... عنق يخبّ إليك بي ورسيم

  وأملت نحو سماء جودك ناظري ... أرعى مخايل برقها وأشيم

  ولربّما استيأست ثم أقول لا ... إنّ الذي وعد النجاح كريم

  قال يزيد: فغنّيته المهديّ، فقال: عليّ بعتبة فجاءت، فقال: ما صنعت؟ فقالت: ذكرت ذلك لمولاتي فكرهته وأبته، فليفعل أمير المؤمنين ما يريد، فقال: ما كنت لأفعل شيئا تكرهه، فأعلمت أبا العتاهية بذلك، فقال:

  قطَّعت منك حبائل الآمال ... وأرحت من حلّ ومن ترحال

  ما كان أشأم إذ رجاؤك قاتلي⁣(⁣١) ... وبنات وعدك يعتلجن⁣(⁣٢) ببالي

  ولئن طمعت لربّ برقة خلَّب ... مالت بذي⁣(⁣٣) طمع ولمعة آل

  مغازلته لجارية:

  أخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:

  قال يزيد حوراء: كنت أجلس بالمدينة على أبواب قريش، فكانت تمرّ بي جارية تختلف إلى الزرقاء تتعلَّم منها الغناء، فقلت لها يوما: افهمي قولي وردّي جوابي وكوني عند ظنّي، فقالت: هات ما عندك، فقلت: باللَّه ما


(١) هكذا في جميع الأصول و «الديوان»، وفي كتاب «زهر الآداب»: «قادني».

(٢) كذا في ح، ويعتلجن ببالي: يقعن ويخطرن، على المجاز من قولهم: اعتلج الموج إذا التطم. وفي باقي الأصول: «يعتجلن» وهو تحريف.

(٣) في كل الأصول: «مالت به طمع»، وهو تحريف والتصويب عن «ديوان أبي العتاهية» و «كتاب زهر الآداب».