كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عكاشة العمي ونسبه

صفحة 178 - الجزء 3

  اسمك؟ فقالت: ممنّعة؛ فأطرقت طيرة⁣(⁣١) من اسمها مع طمعي فيها، فقلت: بل باذلة أو مبذولة إن شاء اللَّه، فاسمعي منّي، فقالت وهي تتبسّم: إن كان عندك شيء فقل، فقلت:

  ليهنك⁣(⁣٢) منّى أنني لست مفشيا ... هواك إلى غيري ولو متّ من كرب

  ولا مانحا خلقا سواك مودّتي ... ولا قائلا ما عشت من حبّكم حسي

  قال: فنظرت إليّ طويلا، ثم قالت: أنشدك اللَّه، أعن فرط محبّة أم اهتياج غلمة تكلَّمت؟ فقلت: لا واللَّه ولكن عن فرط محبّة، فقالت:

  فو اللَّه ربّ الناس لا خنتك الهوى ... ولا زلت مخصوص المحبّة من قلبي

  فثق بي فإنّي قد وثقت ولا تكن ... على غير ما أظهرت لي يا أخا الحبّ

  قال: فو اللَّه لكأنما أضرمت في قلبي نارا، فكانت تلقاني في الطريق الذي كانت تسلكه فتحدّثني وأتفرّج⁣(⁣٣) بها، ثم اشتراها بعض أولاد الخلفاء، فكانت تكاتبني وتلاطفني دهرا طويلا.

  صوت من المائة المختارة

  يا ليلة جمعت لنا الأحبابا ... لو شئت دام لنا النعيم وطابا

  بتنا نسقّاها شمولا قرقفا⁣(⁣٤) ... تدع الصحيح بعقله مرتابا

  حمراء مثل دم الغزال وتارة ... عند المزاج تخالها زريابا⁣(⁣٥)

  من كفّ جارية كأنّ بنانها ... من فضّة قد قمّعت⁣(⁣٦) عنّابا

  / وكأنّ يمناها إذا نقرت بها ... تلقي على الكفّ الشّمال حسابا

  عروضه من الكامل. الشعر لعكَّاشة العمّيّ، والغناء لعبد الرحيم الدّفّاف، ولحنه المختار هزج بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.


(١) طيرة: شؤما.

(٢) كذا في الأصول، وقد أنكر صاحب «اللسان» هذا الاستعمال فقال: والعرب تقول ليهنئك الفارس بجزم الهمزة وليهنيك الفارس بياء ساكنة ولا يجوز «ليهنك» كما تقول العامة؛ ولكن السيد المرتضى ذكر أنه ورد في «صحيح البخاري» (انظر في مادة هنأ).

(٣) أتفرج بها: أصير بها ذا فرج نحو تأسف أي صار ذا أسف وتأهل أي صار ذا أهل، ولكنا لم نجد في «كتب اللغة» التي بأيدينا لتفرّج معنى سوى تفرج مطاوع فرج في نحو قولهم: فرّج اللَّه الكرب فتفرّج وانفرج.

(٤) الشمول من أسماء الخمر، سميت بذلك لأنها تشمل الناس بريحها، والقرقف من أسمائها أيضا لأنها تقرقف شاربها أي ترعده.

(٥) الزرياب: الذهب وقيل ماؤه، معرب «زر» أي ذهب و «آب» أي ماء.

(٦) قمعت عنابا: جعلت له أقماع من عناب، والأقماع: جمع قمع، وهو الغلاف الذي يكون على رأس التمرة أو البسرة، والعنّاب:

شجر له حب كحب الزيتون وأجوده الأحمر الحلو؛ ويقال: قمعت المرأة بنانها بالحناء أي خضبت به أطرافها فصار لها كالأقماع، وأنشد ثعلب على هذا:

لطمت ورد خدها ببنان ... من لجين قمعن بالعقيان