3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه
  صخب الشّوارب لا يزال كأنه ... عبد لآل أبي ربيعة مسبع(١)
  ضرب بعزّهم المثل. [قال](٢): وكان اسم عبد اللَّه بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيرا(٣)، فسمّاه رسول اللَّه ÷ عبد اللَّه، وكانت قريش تلقّبه «العدل»، لأنّ قريشا كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنة، ويكسوها هو من ماله سنة، فأرادوا بذلك أنه وحده عدل لهم جميعا في ذلك.
  وفيه يقول ابن الزّبعري:
  بحير بن ذي الرّمحين قرّب مجلسي ... وراح عليّ خيره غير عاتم(٤)
  وقد قيل: إن العدل هو الوليد بن المغيرة.
  وكان عبد اللَّه بن أبي ربيعة تاجرا موسرا، وكان متجره إلى اليمن، وكان من أكثرهم مالا. وأمّه أسماء بنت مخرّبة(٥)، وقيل: مخرّمة، وكانت عطَّارة يأتيها / العطر من اليمن. وقد تزوّجها هشام بن المغيرة أيضا، فولدت له إبا جهل والحارث ابني هشام، فهي أمّهما وأمّ عبد اللَّه وعيّاش ابني أبي ربيعة.
  أخبرني الحرميّ والطَّوسيّ قال: حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي عن الواقديّ قال:
  كانت أسماء بنت مخرّبة تبيع العطر بالمدينة. فقالت الرّبيّع بنت معوّذ بن عفراء الأنصاريّة - وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتزّ رأسه عبد اللَّه بن مسعود - وقيل: بل عبد اللَّه بن مسعود هو الذي قتله - فذكرت أنّ أسماء بنت مخرّبة دخلت عليها وهي تبيع عطرا لها في نسوة، قالت: / فسألت عنّا، فانتسبنا لها. فقالت: أأنت ابنة قاتل سيّده؟ تعني أبا جهل. قلت: بل أنا بنت قاتل عبده. قالت: حرام عليّ أن أبيعك من عطري شيئا.
  قلت: وحرام عليّ أن أشتري منه شيئا، فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك، ثم قمت، ولا واللَّه ما رأيت عطرا أطيب من عطرها، ولكنّي أردت أن أعيبه لأغيظها.
  وكان لعبد اللَّه بن أبي ربيعة عبيد من الحبشة يتصرّفون في جميع المهن، وكان عددهم كثيرا، فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول اللَّه ÷ حين خرج إلى حنين: هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم؟
  فقال: «لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا، وإنّ فيهم لخلَّتين(٦) حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس». واستعمل رسول اللَّه ÷ عبد اللَّه بن أبي ربيعة على الجند ومخلفيها(٧)، فلم يزل عاملا عليها حتى قتل
(١) هذا وصف لحمار الوحش. وفي «لسان العرب»: يقال حمار صخب الشوارب: يردّد نهاقه في شواربه. والشوارب: مجاري الماء في الحلق. وعبد مسبع: مهمل جريء ترك حتى صار كالسبع. (انظر «اللسان» في مادتي صخب وسبع).
(٢) زيادة عن ت.
(٣) كذا في أ، ء. وفي سائر النسخ: «بجير» بالجيم وهو تحريف؛ إذ هو بجير بن أبي ربيعة المخزوميّ (انظر «تاج العروس» مادة بحر).
(٤) عاتم: مبطئ.
(٥) مخرّبة كمحدّثة «قاموس».
(٦) الخلة: الخصلة وزنا ومعنى.
(٧) الجند (بالتحريك): ولاية إسلامية من ولايات اليمن الثلاث، وهي الجند وصنعاء وحضر موت. وبالجند مسجد بناه معاذ بن جبل ¥. والمخاليف: جمع مخلاف، وهو الكورة والرستاق (القرية والسواد).