كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مسجح ونسبه

صفحة 197 - الجزء 3

  أمير المؤمنين فهل تحسن أن تحدو؟ قال: لا، ولكني أستعمل حداء، قال: فإن منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين فإن وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك، ومضى إلى عبد الملك فلما رآه طيّب النفس أرسل إلى ابن مسجح وأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا:

  /

  إنك يا معاذ يا بن الفضّل ... إن زلزل الأقدام لم تزلزل

  عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ⁣(⁣١) القرون الميّل ... للحقّ حتى ينتحوا للأعدل

  فقال عبد الملك للقرشيّ: من هذا؟ قال: رجل حجازيّ قدم عليّ، قال: أحضره فأحضره له، وقال له: أحد مجدّا، ثم قال له: هل تغنّي غناء الركبان؟ قال: نعم، قال: غنّه، فتغنّى، فقال له: فهل تغنّي الغناء المتقن؟ قال:

  نعم، قال: غنّه، فتغنّى فاهتزّ عبد الملك طربا، ثم قال له: أقسم إن لك في القوم لأسماء / كثيرة، من أنت؟ ويلك! قال له: أنا المظلوم المقبوض ماله المسيّر عن وطنه سعيد بن مسجح، قبض مالي عامل الحجاز ونفاني، فتبسّم عبد الملك ثم قال له: قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليك أموالهم، وأمّنه ووصله وكتب إلى عامله بردّ ماله عليه وألَّا يعرض له بسوء.

  صوت من المائة المختارة

  سلا دار ليلى هل تبين فتنطق ... وأنّى تردّ القول بيداء سملق⁣(⁣٢)

  وأنّى تردّ القول دار كأنها ... لطول بلاها والتقادم مهرق⁣(⁣٣)

  عروضه من الطويل، الشّعر لابن المولى. وذكر يحيى بن عليّ بن يحيى عن إسحاق أن الشعر للأعشى؛ وذلك غلط، وقد التمسناه في شعر كل أعشى ذكر في شعراء العرب فلم نجده، ولا رواه أحد من الرّواة لأحد منهم، ووجدناه في شعر ابن المولى من قصيدة له طويلة جيّدة، وقد أثبتناها بعقب أخباره ليوقف على صحّة ما ذكرناه، إذ كان الغلط إذا وقع من مثل هذه الجهة احتيج إلى إيضاح الحجّة على ما خالفه والدّلالة على الصواب فيه. والغناء في اللحن المختار لعطرّد ثقيل أوّل بالسبّابة في مجرى البنصر عن إسحاق ويونس وعمرو، وفيه لأيّوب زهرة خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشاميّ وأحمد بن المكيّ. وفي غناء أيّوب زهرة زيادة بيتين وهما:

  وقال خليلي والبكا لي غالب ... أقاض عليك ذا الأسى والتشوّق


(١) في جميع الأصول «أصداع» بالعين المهملة وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه لأنه من صدغ يصدغ صدوغا وصدغا بمعنى مال ومنه «لأقيمن صدغك» أي ميلك.

(٢) السملق: القاع المستوى الأملس الذي لا شجر فيه.

(٣) المهرق: الصحيفة، ومن عادة العرب تشبيه الديار والمنازل إذا عفت وأقوت بالصحف والكتابة، قال امرؤ القيس:

أنت حجج بعدي عليها فأصبحت ... فخط زبور في مصاحف رهبان

وقال العجاج:

يا صاح ما هاج الدموع الذرفا ... من طلل أمسى تخال المصحفا

والمصحف: الصحيفة.