كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مسجح ونسبه

صفحة 196 - الجزء 3

  وإذا شكوت إلى سلامة حبّها ... قالت أجدّ منك ذا أم تمزح

  أخذ عنه معبد:

  - الشعر للأحوص. والغناء لابن مسجح ثقيل أوّل بالبنصر. ولد حمان فيه ثقيل أوّل بالبنصر. ولمالك فيه خفيف ثقيل عن الهشاميّ - قال: وهو أوّل من غنّى الغناء العربيّ المنقول عن الفارسيّ. وعاش سعيد بن مسجح حتى لقيه معبد وأخذ عنه في أيام الوليد بن عبد الملك.

  نفاه دحمان الأشقر وإلى مكة إلى الشأم فتوصل إلى عبد الملك وغناه فعفا عنه وأمر يردّ ماله إليه:

  حدّثني عمّي والحسين بن القاسم الكوفيّ قالا جميعا حدّثنا محمد بن سعيد الكرانيّ قال حدّثني النضر بن عمرو قال حدّثني أبو أميّة القرشيّ قال حدّثنا دحمان الأشقر قال:

  كنت عاملا لعبد الملك بن مروان بمكة فنمي إليه أنّ رجلا أسود يقال له: سعيد بن مسجح أفسد فتيان قريش وأنفقوا عليه أموالهم، فكتب إليّ: أن اقبض ماله وسيّره، ففعلت. / فتوجّه ابن مسجح إلى الشأم فصحبه رجل له جوار مغنّيات في طريقه، فقال له: أين تريد؟ فأخبره خبره، وقال له: أريد الشأم، قال له: فتكون معي؟ قال: نعم، فصحبه حتى بلغا دمشق فدخلا مسجدها فسألا: من أخصّ الناس بأمير المؤمنين؟ فقالوا: هؤلاء النفر من قريش وبنو عمّه، فوقف ابن مسجح عليهم وسلَّم ثم قال: يا فتيان، هل فيكم من نضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز؟

  فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعد أن يذهبوا إلى قينة يقال لها: «برق الأفق» فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمّم⁣(⁣١) فقال: أنا أضيفك، وقال لأصحابه: انطلقوا أنتم وأنا أذهب مع ضيفي، قالوا: لا، بل تجيء أنت وضيفك، فذهبوا جميعا إلى بيت القينة، فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد: إني رجل أسود ولعلّ فيكم من يقذرني فأنا أجلس وآكل ناحية وقام، فاستحيوا منه وبعثوا إليه بما أكل، فلما صاروا / إلى الشراب قال لهم مثل ذلك، ففعلوا به، وأخرجوا جاريتين فجلستا على سرير قد وضع لهما، فغنّتا إلى العشاء ثم دخلتا، وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها فجلست على السرير وجلستا أسفل منها عن يمين السرير وشماله، قال ابن مسجح: فتمثّلت⁣(⁣٢) هذا البيت:

  فقلت أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم

  فغضبت الجارية وقالت: أيضرب هذا الأسود بي الأمثال! فنظروا إليّ نظرا منكرا ولم يزالوا يسكَّنونها، ثم غنّت صوتا، فقال ابن مسجح: أحسنت واللَّه، فغضب مولاها وقال: أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي! فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده: قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم، فذهبت أقوم فتذمّم القوم وقالوا لي: بل أقم وأحسن أدبك فأقمت، وغنّت فقلت: أخطأت واللَّه يا زانية وأسأت، ثم اندفعت فغنّيت الصوت فوثبت الجارية فقالت لمولاها: هذا واللَّه أبو عثمان سعيد بن مسجح، فقلت: إني واللَّه أنا هو، واللَّه لا أقيم عندكم، فوثب القرشيّون فقال هذا: يكون عندي، وقال هذا: يكون عندي، وقال هذا: بل عندي، فقلت: واللَّه لا أقيم إلا عند سيّدكم - يعني الرجل الذي أنزله منهم - ثم سألوه عما أقدمه فأخبرهم الخبر، فقال له صاحبه: إني أسمر الليلة مع


(١) تذمم أي خشي الذمّ واللوم.

(٢) يقال: تمثّلت هذا البيت وتمثّلت به إذا ضربته مثلا.