أخبار الحارث بن خالد المخزومي ونسبه
  استأذن على عائشة بنت طلحة وكتب لها مع الغريض وأمره أن يغني لها من شعره فوعدته وخرجت من مكة:
  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلَّام عن ابن جعدبة قال:
  لما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد وهو أمير على مكة: إني أريد السلام عليك، فإذا خفّ عليك أذنت، وكان الرسول الغريض، فقالت له: إنّا حرم، فإذا أحللنا أذنّاك، فلما أحلَّت سرت على بغلاتها، ولحقها الغريض بعسفان(١) أو قريب منه، ومعه كتاب الحارث إليها:
  ما ضرّكم لو قلتم سددا
  - الأبيات المذكورة -؛ فلما قرأت الكتاب قالت: ما يدع الحارث باطله! ثم قالت للغريض: هل أحدثت شيئا؟ قال: نعم، فاسمعي، ثم اندفع يغنّي في هذا الشعر؛ فقالت عائشة: واللَّه ما قلنا إلا سددا، ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه؛ وأتى على الشعر كلَّه، فاستحسنته عائشة، وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب، وقالت: زدني، فغنّاها في قول الحارث بن خالد أيضا:
  زعموا بأن البين بعد غد ... فالقلب مما أحدثوا يجف
  والعين منذ أجدّ بينهم ... مثل الجمان دموعها تكف
  / ومقالها ودموعها سجم ... أقلل حنينك حين تنصرف
  تشكو ونشكو ما أشتّ(٢) بنا ... كلّ بوشك البين معترف
  - إيقاع هذا الصوت ثقيل أوّل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ، ولم يذكر له حماد طريقا - قال: فقالت له عائشة: يا غريض، بحقّي عليك أهو أمرك أن تغنّيني في هذا الشعر؟ فقال: لا، وحياتك يا سيدتي! فأمرت له بخمسة آلاف درهم، ثم قالت له: غنّني في شعر(٣) غيره؛ فغنّاها [قول(٤) عمر فيها]:
  غناها الغريض بشعر ابن أبي ربيعة:
  صوت
  أجمعت خلَّتي مع الفجر بينا(٥) ... جلَّل(٦) اللَّه ذلك الوجه زينا
  أجمعت بينها ولم نك منها ... لذّة العيش والشباب قضينا
(١) ذكر ياقوت في «معجمه» عسفان فقال: قال أبو منصور: عسفان منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقال غيره: عسفان بين المسجدين وهي من مكة على مرحلين، وقيل: عسفان قرية جامعة بها منبر ونخيل ومزارع على ستة وثلاثين ميلا من مكة وهي حدّتها.
(٢) أشت بنا: فرّق أمرنا.
(٣) في أ، ء، م: «في غير شعره».
(٤) الزيادة عن أ، ء.
(٥) البين: الفراق. وأجمعت بينا: اعتزمته وصممت عليه.
(٦) جلل: عمّ، ومنه المجلل: للسحاب الذي يجلل الأرض بالمطر أي يعمها.