كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار موسى شهوات ونسبه

صفحة 242 - الجزء 3

  دعي ذات يوم المغنّون للوليد بن يزيد، وكنت نازلا معهم، فقلت للرسول: خذني فيهم؛ قال: لم أومر بذلك وإنما أمرت بإحضار المغنّين وأنت بطَّال⁣(⁣١) لا تدخل في جملتهم؛ فقلت: أنا واللَّه أحسن غناء منهم، ثم اندفعت فغنّيته؛ فقال: لقد سمعت حسنا ولكنّي أخاف؛ فقلت: لا خوف عليك، ولك مع هذا شرط، قال: وما هو؟

  / قلت: كلّ ما أصبته فلك شطره؛ فقال للجماعة: اشهدوا عليه، فشهدوا، ومضينا فدخلنا على الوليد وهو لقس⁣(⁣٢) النفس، فغنّاه المغنّون في كل فنّ من خفيف وثقيل، فلم يتحرّك ولا نشط، فقام الأبجر إلى الخلاء، وكان خبيثا داهيا، فسأل الخادم عن خبره، وبأيّ سبب هو خاثر⁣(⁣٣)؟ فقال: بينه وبين امرأته شرّ، لأنه عشق أختها فغضبت عليه فهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها وحلف لها ألَّا يذكرها أبدا بمراسلة ولا مخاطبة، وخرج على هذا الحال من عندها؛ فعاد الأبجر إلينا وما حلس حتى اندفع فغنّى:

  صوت

  فبيني فإنّي لا أبالي وأيقني ... أصعّد باقي حبّكم أم تصوّبا

  ألم تعلمي أنّي عزوف عن الهوى ... إذا صاحبي من غير شيء تغضّبا

  فطرب الوليد وارتاح وقال: أصبت يا عبيد واللَّه ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم وشرب حتى سكر، ولم يحظ بشيء أحد سوى الأبجر، فلما أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة الساعة بحضرتك! فضحك وقال: قبّحك اللَّه! وما السبب في ذلك؟ فأخبرته بقصتي مع الرسول وقلت:

  إنه بدأني من المكروه في أوّل يومه بما اتصل عليّ إلى آخره، فأريد أن أضرب مائة ويضرب بعدي مثلها، فقال له:

  لقد لطفت، أعطوه مائة دينار وأعطوا الرسول خمسين دينارا من مالنا عوضا عن الخمسين التي أراد أن يأخذها؛ فقبضتها وما حظي أحد بشيء غيري وغير الرسول. والشعر الذي غنّى فيه الأبجر الوليد بن يزيد لعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان بن الحكم، والغناء للأبجر ثقيل أوّل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لغيره عدّة ألحان نسبت.

  صوت من المائة المختارة من رواية جحظة

  حمزة المبتاع بالمال الثّنا ... ويرى في بيعه أن قد غبن

  فهو إن أعطى عطاء فاضلا ... ذا إخاء لم يكدّره بمنّ

  وإذا ما سنة مجدبة ... برت الناس كبري بالسّفن⁣(⁣٤)


(١) البطال: الذي يهزل في حديثه.

(٢) لقس النفس: وصف من لقست نفسه إذا غثت وخبثت.

(٣) الخاثر: الذي غثت نفسه.

(٤) السفن (بالتحريك): كل ما يبري وينحت به، قال زهير:

ضربا كنحت جذوع الأثل بالسفن