كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 282 - الجزء 4

  استحسن شعره بشار وقد اجتمعا عند المهدي:

  حدّثنا ابن عمّار قال حدّثنا محمد بن إبراهيم بن خلف قال حدّثني أبي قال:

  حدّثت أنّ المهديّ جلس للشّعراء يوما، فأذن لهم وفيهم بشّار وأشجع، وكان أشجع يأخذ عن بشّار / ويعظَّمه، وغير هذين، وكان في القوم أبو العتاهية. قال أشجع: فلمّا سمع بشار كلامه قال: يا أخا سليم، أهذا ذلك الكوفيّ الملقّب؟ قلت نعم. قال: لا جزى اللَّه خيرا من جمعنا معه. ثم قال له المهديّ: أنشد؛ فقال: ويحك! أو يبدأ فيستنشد أيضا قبلنا؟! فقلت: قد ترى. فأنشد:

  ألا ما لسيّدتي ما لها ... أدلَّا فأحمل إدلالها

  وإلَّا ففيم تجنّت وما ... جنيت سقى اللَّه أطلالها

  ألا إنّ جارية للإما ... م قد أسكن الحبّ سربالها

  مشت بين حور قصار الخطا ... تجاذب في المشي أكفالها

  وقد أتعب اللَّه نفسي بها ... وأتعب باللَّوم عذّالها

  قال أشجع: فقال لي بشّار: ويحك يا أخا سليم! ما أدري من أيّ أمريه أعجب: أمن ضعف شعره، أم من تشبيبه بجارية الخليفة، يسمع ذلك بأذنه! حتى أتى على قوله:

  أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها

  ولم تك تصلح إلَّا له ... ولم يك يصلح إلَّا لها

  / ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها

  ولو لم تطعه بنات القلوب⁣(⁣١) ... لما قبل اللَّه أعمالها

  وإنّ الخليفة من بغض لا ... إليه ليبغض من قالها

  قال أشجع: فقال لي بشّار وقد اهتزّ طربا: ويحك يا أخا سليم! أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طربا لما يأتي به هذا الكوفيّ؟

  شنّع عليه منصور بن عمار ورماه بالزندقة:

  أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني العبّاس بن ميمون قال حدّثني رجاء بن سلمة قال:

  سمعت أبا العتاهية يقول: قرأت البارحة {عَمَّ يَتَساءَلُونَ}، ثم قلت قصيدة أحسن منها. قال: وقد قيل: إنّ منصور بن عمّار شنّع عليه بهذا.

  قال يحيى بن عليّ حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أبو عمر القرشيّ قال:

  لمّا قصّ منصور بن عمّار على الناس مجلس البعوضة⁣(⁣٢) قال أبو العتاهية: إنما سرق منصور هذا الكلام من


(١) بنات القلوب: النيات.

(٢) يريد بذلك أنه قص ما يتعلق بالبعوضة من خلقها وصفتها وما أودعه اللَّه فيها من الأسرار، فأطلق المكان - وهو المجلس - وأراد ما