ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  استحسن شعره بشار وقد اجتمعا عند المهدي:
  حدّثنا ابن عمّار قال حدّثنا محمد بن إبراهيم بن خلف قال حدّثني أبي قال:
  حدّثت أنّ المهديّ جلس للشّعراء يوما، فأذن لهم وفيهم بشّار وأشجع، وكان أشجع يأخذ عن بشّار / ويعظَّمه، وغير هذين، وكان في القوم أبو العتاهية. قال أشجع: فلمّا سمع بشار كلامه قال: يا أخا سليم، أهذا ذلك الكوفيّ الملقّب؟ قلت نعم. قال: لا جزى اللَّه خيرا من جمعنا معه. ثم قال له المهديّ: أنشد؛ فقال: ويحك! أو يبدأ فيستنشد أيضا قبلنا؟! فقلت: قد ترى. فأنشد:
  ألا ما لسيّدتي ما لها ... أدلَّا فأحمل إدلالها
  وإلَّا ففيم تجنّت وما ... جنيت سقى اللَّه أطلالها
  ألا إنّ جارية للإما ... م قد أسكن الحبّ سربالها
  مشت بين حور قصار الخطا ... تجاذب في المشي أكفالها
  وقد أتعب اللَّه نفسي بها ... وأتعب باللَّوم عذّالها
  قال أشجع: فقال لي بشّار: ويحك يا أخا سليم! ما أدري من أيّ أمريه أعجب: أمن ضعف شعره، أم من تشبيبه بجارية الخليفة، يسمع ذلك بأذنه! حتى أتى على قوله:
  أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها
  ولم تك تصلح إلَّا له ... ولم يك يصلح إلَّا لها
  / ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
  ولو لم تطعه بنات القلوب(١) ... لما قبل اللَّه أعمالها
  وإنّ الخليفة من بغض لا ... إليه ليبغض من قالها
  قال أشجع: فقال لي بشّار وقد اهتزّ طربا: ويحك يا أخا سليم! أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طربا لما يأتي به هذا الكوفيّ؟
  شنّع عليه منصور بن عمار ورماه بالزندقة:
  أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني ابن مهرويه قال حدّثني العبّاس بن ميمون قال حدّثني رجاء بن سلمة قال:
  سمعت أبا العتاهية يقول: قرأت البارحة {عَمَّ يَتَساءَلُونَ}، ثم قلت قصيدة أحسن منها. قال: وقد قيل: إنّ منصور بن عمّار شنّع عليه بهذا.
  قال يحيى بن عليّ حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني أبو عمر القرشيّ قال:
  لمّا قصّ منصور بن عمّار على الناس مجلس البعوضة(٢) قال أبو العتاهية: إنما سرق منصور هذا الكلام من
(١) بنات القلوب: النيات.
(٢) يريد بذلك أنه قص ما يتعلق بالبعوضة من خلقها وصفتها وما أودعه اللَّه فيها من الأسرار، فأطلق المكان - وهو المجلس - وأراد ما