كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 283 - الجزء 4

  رجل كوفيّ. فبلغ قوله منصورا فقال: أبو العتاهية زنديق، أما ترونه لا يذكر في شعره الجنة ولا النار، وإنما يذكر الموت فقط! فبلغ ذلك أبا العتاهية، فقال فيه:

  يا واعظ الناس قد أصبحت متّهما ... إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها

  كالملبس الثوب من عري وعورته ... للناس بادية ما إن يواريها

  / فأعظم الإثم بعد الشّرك نعلمه ... في كلّ نفس عماها عن مساويها

  عرفانها بعيوب الناس تبصرها ... منهم ولا تبصر العيب الذي فيها

  فلم تمض إلَّا أيام يسيرة حتى مات منصور بن عمّار، فوقف أبو العتاهية على قبره وقال: يغفر اللَّه لك أبا السّريّ ما كنت رميتني به.

  وشى به إلى حمدويه صاحب الزنادقة فتحقق أمره وتركه:

  أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا محمد بن موسى قال أخبرني النّسائيّ عن محمد بن أبي العتاهية قال:

  كانت لأبي العتاهية جارة تشرف عليه، فرأته ليلة يقنت، فروت عنه أنه يكلَّم القمر، واتّصل الخبر بحمدويه صاحب الزنادقة، / فصار إلى منزلها وبات وأشرف على أبي العتاهية ورآه يصلَّي، ولم يزل يرقبه حتى قنت وانصرف إلى مضجعه، وانصرف حمدويه خاسئا.

  قال شعرا يدل على توحيده ليتناقله الناس:

  حدّثنا محمد بن يحيى قال حدّثنا محمد بن الرّياشيّ قال حدّثنا الخليل بن أسد النّوشجانيّ قال:

  جاءنا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال: زعم الناس أنّي زنديق، واللَّه ما ديني إلى التّوحيد. فقلنا له: فقل شيئا نتحدّث به عنك؛ فقال:

  ألا إنّنا كلَّنا بائد ... وأيّ بني آدم خالد

  وبدؤهم كان من ربّهم ... وكلّ إلى ربّه عائد

  فيا عجبا كيف يعصى الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحد

  وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنه واحد

  أرجوزته المشهورة وقوّة شعرها:

  أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعيّ قال:

  تذاكروا يوما شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ؛ إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سمّاها «ذات الأمثال»؛ فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:

  يا للشّباب المرح التّصابي ... روائح الجنّة في الشّباب


() يقع فيه. وهذا المجاز كثير الاستعمال. وقد تكلم الإمام الغزالي في «الإحياء» في باب المحبة على البعوضة (راجع ج ٤ ص ٢٤٧ طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣٠٦ هـ) وتكلم عليها الدميريّ أيضا في «حياة الحيوان» (راجع ج ١ ص ١٥٩ - ١٦٦ طبع بولاق).