ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  جاء المشمّر والأفراس يقدمها ... هونا على رسله(١) وما انبهرا
  وخلَّف الريح حسرى(٢) وهي جاهدة ... ومرّ يختطف الأبصار والنظرا
  فأجزل صلته، وما جسر أحد بعد أبي العتاهية أن يقول فيه شيئا.
  رثاؤه صديقه علي بن ثابت:
  أخبرني يحيى إجازة قال حدّثني الفضل بن عبّاس بن عقبة بن جعفر قال:
  كان عليّ بن ثابت صديقا لأبي العتاهية وبينهما مجاوبات كثيرة في الزهد والحكمة، فتوفّي عليّ بن ثابت قبله، فقال يرثيه:
  مؤنس كان لي هلك ... والسبيل التي سلك
  يا عليّ بن ثابت ... غفر اللَّه لي ولك
  كلّ حيّ مملَّك ... سوف يفنى وما ملك
  قال الفضل(٣): وحضر أبو العتاهية عليّ بن ثابت وهو يجود بنفسه، فلم يزل ملتزمه حتى فاض(٤)؛ فلما شدّ لحياه بكى طويلا، ثم أنشد يقول:
  يا شريكي في الخير قرّبك اللَّا ... هـ فنعم الشّريك في الخير كنتا
  قد لعمري حكيت لي غصص المو ... ت فحرّكتني لها وسكنتا
  / قال: ولمّا دفن وقف على قبره يبكي طويلا أحرّ بكاء، ويردّد هذه الأبيات:
  ألا من لي بأنسك يا أخيّا ... ومن لي أن أبثّك ما لديّا
  طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشزا وطيّا
  فلو نشرت قواك لي المنايا ... شكوت إليك ما صنعت إليّا
  بكيتك يا عليّ بدمع عيني ... فما أغنى البكاء عليك(٥) شيّا
  وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا
  اشتمال مرثيته في علي بن ثابت على أقوال الفلاسفة في موت الإسكندر:
  قال عليّ بن الحسين مؤلَّف هذا الكتاب: هذه المعاني أخذها كلَّها أبو العتاهية من كلام الفلاسفة لمّا حضروا تابوت الإسكندر، وقد أخرج الإسكندر ليدفن: قال بعضهم: كان الملك أمس أهيب منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه
(١) على رسله: على تؤدته وهينته، ومثله الهون (بالفتح).
(٢) حسري: كالة معيية.
(٣) في ب، س: «أبو الفضل» وهو تحريف.
(٤) في م: «فاظ» وكلاهما بمعنى مات.
(٥) في أ، م، ء: «على».