ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  دخلت مسجد المدينة ببغداد بعد أن بويع الأمين محمد بسنة، فإذا شيخ عليه جماعة وهو ينشد:
  /
  لهفي على ورق الشباب ... وغصونه الخضر الرّطاب
  ذهب الشباب وبان عنّ ... ي غير منتظر الإياب
  فلأبكينّ على الشّبا ... ب وطيب أيّام التّصابي
  ولأبكينّ من البلى ... ولأبكينّ من الخضاب
  إنّي لآمل أن أخ ... لَّد والمنيّة في طلابي
  قال: فجعل ينشدها وإنّ دموعه لتسيل على خدّيه. فلمّا رأيت ذلك لم أصبر أن ملت فكتبتها. وسألت عن الشيخ فقيل لي: هو أبو العتاهية.
  كان ابن الأعرابي يعيب شعره:
  أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني أبو العباس محمد بن أحمد قال:
  كان ابن الأعرابيّ يعيب أبا العتاهية ويثلبه، فأنشدته:
  كم من سفيه غاظني سفها ... فشفيت نفسي منه بالحلم
  وكفيت نفسي ظلم عاديتي ... ومنحت صفو مودّتي سلمي(١)
  ولقد رزقت لظالمي غلظا ... ورحمته إذ لجّ في ظلمي
  أحب شعره إليه:
  / أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني محمد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن أحمد الأزديّ قال:
  قال لي أبو العتاهية: لم أقل شيئا قطَّ أحبّ إليّ من هذين البيتين [في](٢) معناهما:
  ليت شعري فإنّني لست أدري ... أيّ يوم يكون آخر عمري
  وبأيّ البلاد يقبض روحي ... وبأيّ البقاع(٣) يحفر قبري
  راهن في أوّل أمره جماعة على قول الشعر فغلبهم:
  أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني محمد بن الفضل قال حدّثنا محمد بن عبد الجبّار الفزاريّ قال:
  اجتاز أبو العتاهية في أوّل أمره وعلى ظهره قفص فيه فخّار يدور به في الكوفة ويبيع منه، فمرّ بفتيان جلوس
(١) سلمي: مسالمي؛ يقال: فلان سلَّم لفلان، وحرب له، إذا كان بينهما سلام أو حرب.
(٢) التكملة عن نسخة أ.
(٣) في ب، س: «البلاد».