كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 291 - الجزء 4

  دخلت مسجد المدينة ببغداد بعد أن بويع الأمين محمد بسنة، فإذا شيخ عليه جماعة وهو ينشد:

  /

  لهفي على ورق الشباب ... وغصونه الخضر الرّطاب

  ذهب الشباب وبان عنّ ... ي غير منتظر الإياب

  فلأبكينّ على الشّبا ... ب وطيب أيّام التّصابي

  ولأبكينّ من البلى ... ولأبكينّ من الخضاب

  إنّي لآمل أن أخ ... لَّد والمنيّة في طلابي

  قال: فجعل ينشدها وإنّ دموعه لتسيل على خدّيه. فلمّا رأيت ذلك لم أصبر أن ملت فكتبتها. وسألت عن الشيخ فقيل لي: هو أبو العتاهية.

  كان ابن الأعرابي يعيب شعره:

  أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني أبو العباس محمد بن أحمد قال:

  كان ابن الأعرابيّ يعيب أبا العتاهية ويثلبه، فأنشدته:

  كم من سفيه غاظني سفها ... فشفيت نفسي منه بالحلم

  وكفيت نفسي ظلم عاديتي ... ومنحت صفو مودّتي سلمي⁣(⁣١)

  ولقد رزقت لظالمي غلظا ... ورحمته إذ لجّ في ظلمي

  أحب شعره إليه:

  / أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني محمد بن إسحاق قال حدّثني محمد بن أحمد الأزديّ قال:

  قال لي أبو العتاهية: لم أقل شيئا قطَّ أحبّ إليّ من هذين البيتين [في]⁣(⁣٢) معناهما:

  ليت شعري فإنّني لست أدري ... أيّ يوم يكون آخر عمري

  وبأيّ البلاد يقبض روحي ... وبأيّ البقاع⁣(⁣٣) يحفر قبري

  راهن في أوّل أمره جماعة على قول الشعر فغلبهم:

  أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثني محمد بن الفضل قال حدّثنا محمد بن عبد الجبّار الفزاريّ قال:

  اجتاز أبو العتاهية في أوّل أمره وعلى ظهره قفص فيه فخّار يدور به في الكوفة ويبيع منه، فمرّ بفتيان جلوس


(١) سلمي: مسالمي؛ يقال: فلان سلَّم لفلان، وحرب له، إذا كان بينهما سلام أو حرب.

(٢) التكملة عن نسخة أ.

(٣) في ب، س: «البلاد».