ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  يتذاكرون الشعر ويتناشدونه، فسلَّم ووضع القفص عن ظهره، ثم قال: يا فتيان أراكم تذاكرون الشعر، فأقول شيئا منه فتجيزونه، فإن فعلتم فلكم عشرة دراهم، وإن لم تفعلوا فعليكم عشرة دراهم؛ فهزئوا منه وسخروا به وقالوا نعم. قال: لا بدّ أن يشترى بأحد القمارين(١) رطب يؤكل فإنه قمار(١) حاصل، وجعل رهنه تحت يد أحدهم، ففعلوا. فقال: أجيزوا:
  ساكني الأجداث أنتم
  وجعل بينه وبينهم وقتا في ذلك الموضع إذا بلغته الشمس ولم يجيزوا البيت، غرّموا الخطر(٢)؛ وجعل يهزأ بهم وتمّمه:
  مثلنا بالأمس كنتم ... ليت شعري ما صنعتم
  أربحتم أم خسرتم
  وهي قصيدة طويلة في شعره.
  هجاه أبو حبش وذم شعره:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللَّه عن أبي خيثم العنزيّ قال:
  لمّا حبس الرشيد أبا العتاهية وحلف ألَّا يطلقه أو يقول شعرا، قال لي أبو حبش: أسمعت بأعجب من هذا الأمر، تقول الشعراء الشعر الجيّد النادر فلا يسمع منهم، ويقول هذا المخنّث المفكَّك تلك الأشعار بالشفاعة! ثم أنشدني:
  /
  أبا إسحاق راجعت الجماعة ... وعدت إلى القوافي والصّناعه
  وكنت كجامح(٣) في الغيّ عاص ... وأنت اليوم ذو سمع وطاعة
  فجرّ الخزّ مما كنت تكسى ... ودع عنك التّقشّف والبشاعه
  وشبّب بالتي تهوى وخبّر ... بأنّك ميّت في كلّ ساعة
  كسدنا ما نراد وإن أجدنا ... وأنت تقول شعرك بالشّفاعه
  خرج مع المهدي في الصيد وقد أمره بهجوه فقال شعرا:
  أخبرني أحمد بن العبّاس العسكريّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثنا محمد بن عبد اللَّه قال حدّثني أبو خيثم العنزيّ، وكان صديقا لأبي العتاهية، قال حدّثني أبو العتاهية قال:
  أخرجني المهديّ معه إلى الصّيد، فوقعنا منه على شيء كثير، فتفرّق أصحابه في طلبه وأخذ هو في طريق غير طريقهم فلم يلتقوا(٤)، وعرض لنا واد جرّار وتغيّمت السماء وبدأت تمطر فتحيّرنا، وأشرفنا على الوادي فإذا فيه
(١) في ب، س، ح: «القمرين ... قمر».
(٢) الخطر هنا: الرهان.
(٣) في الأصول: «كجامع» ولا يستقيم بها الكلام، فآثرنا ما أثبتناه.
(٤) في ب، س: «فلم يلتفتوا».