كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 312 - الجزء 4

  لقيني أبو العتاهية فقال: بلغني أنك خرّجت قولي:

  قال لي أحمد ولم يدر ما بي ... أتحبّ الغداة عتبة حقّا

  فقلت نعم. فقال: غنّه. فملت معه إلى خراب، فيه قوم فقراء سكَّان، فغنّيته إياه؛ فقال: أحسنت واللَّه! منذ ابتدأت حتّى سكتّ؛ ثم قال لي: أما ترى ما فعل الملك بأهل هذا الخراب!

  شعره في تبخيل الناس:

  أخبرني جحظة قال حدّثني ميمون بن هارون قال:

  قال مخارق: لقيت أبا العتاهية على الجسر، / فقلت له: يا أبا إسحاق، أتنشدني قولك في تبخيلك الناس كلَّهم؟ فضحك وقال لي: هاهنا؟ قلت نعم. فأنشدني:

  إن كنت متّخذا خليلا ... فتنقّ وانتقد الخليلا

  من لم يكن لك منصفا ... في الودّ فآبغ به بديلا

  ولربّما سئل البخي ... ل الشيء لا يسوى فتيلا

  / فيقول لا أجد السّبي ... ل إليه يكره أن ينيلا

  فلذاك لا جعل الإل ... هـ له إلى خير سبيلا

  فاضرب بطرفك حيث شئ ... ت فلن ترى إلَّا بخيلا

  فقلت له: أفرطت يا أبا إسحاق! فقال: فديتك! فأكذبنيّ بجواد واحد. فأحببت موافقته، فالتفتّ يمينا وشمالا ثم قلت: ما أجد. فقبّل بين عينيّ وقال: فديتك يا بنيّ! لقد رفقت حتى كدت تسرف.

  كان بعد تنسكه يطرب لحديث هارون بن مخارق:

  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثني هارون بن مخارق قال:

  كان أبو العتاهية لمّا نسك يقول لي: يا بنيّ، حدّثني؛ فإن ألفاظك تطرب كما يطرب غناؤك.

  جفاه أحمد بن يوسف فعاتبه بشعر:

  أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم الأنباريّ قال حدّثني أبو هفّان قال حدّثني موسى بن عبد الملك قال:

  كان أحمد بن يوسف صديقا لأبي العتاهية، فلمّا خدم المأمون وخصّ به، رأى منه أبو العتاهية جفوة، فكتب إليه:

  أبا جعفر إنّ الشريف يشينه ... تتايهه على الأخلَّاء بالوفر

  ألم تر أنّ الفقر يرجى له الغنى ... وأنّ الغنى يخشى عليه من الفقر

  فإن نلت تيها بالذي نهلت من غنى ... فإنّ غناي في التجمّل والصبر

  قال: فبعث إليه بألفي درهم، وكتب إليه يعتذر مما أنكره.