كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 318 - الجزء 4

  فالتفت إليه فقلت له: أنت أبو العتاهية؟ فقال: لا، أنا أبو إسحاق. فقلت له: أنشدني شيئا من شعرك؛ فقال لي:

  ما أحمقك! نحن على سفر وعلى شفير قبر، وفي أيام العشر، وببلدكم هذا تستنشدني الشعر! ثم أدبر عنّي ثم عاد إليّ فقال: وأخرى أزيدكها، لا واللَّه ما رأيت في بني آدم قطَّ أسمج منك وجها! قال النوفليّ في خبره: وصدق أبو العتاهية، كان مساور هذا مقبّحا طويل الوجه كأنّه ينظر في سيف.

  حجبه حاجب يحيى بن خاقان فقال شعرا فاسترضاه فأبى:

  أخبرني عمّي الحسن بن محمد وجحظة قالا حدّثنا ميمون بن هارون قال:

  قدم أبو العتاهية يوما منزل يحيى بن خاقان، فلمّا قام بادر له الحاجب فانصرف. وأتاه يوما آخر فصادفه حين نزل، فسلَّم عليه ودخل إلى منزله ولم يأذن له؛ فأخذ قرطاسا وكتب إليه:

  أراك تراع حين ترى خيالي ... فما هذا يروعك من خيالي

  لعلَّك خائف منّي سؤال ... ألا فلك الأمان من السؤال

  كفيتك إنّ حالك لم تمل بي ... لأطلب مثلها بدلا بحالي

  وإنّ اليسر مثل العسر عندي ... بأيّهما منيت فلا أبالي

  فلمّا قرأ الرّقعة أمر الحاجب بإدخاله إليه، فطلبه فأبى أن يرجع معه، ولم يلتقيا بعد ذلك.

  كان بينه وبين أبي الشمقمق شرّ:

  أخبرني عبد اللَّه بن محمد الرّازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث قال حدّثنا المدائنيّ قال:

  / اجتمع أبو نواس وأبو الشّمقمق في بيت ابن أذين، وكان بين أبي العتاهية وبين أبي الشّمقمق شرّ، فخّبؤه من أبي العتاهية في بيت. ودخل أبو العتاهية فنظر إلى غلام عندهم فيه تأنيث⁣(⁣١)، فظنّ أنّه جارية، فقال لابن أذين: متى استطرفت⁣(⁣٢) هذه الجارية؟ فقال: قريبا يا أبا إسحاق، فقال: قل فيها ما حضر؛ فمدّ أبو العتاهية يده إليه وقال:

  مددت كفّي نحوكم سائلا ... ماذا تردّون على السائل

  فلم يلبث أبو الشمقمق حتى ناداه من البيت:

  نردّ في كفّك ذا فيشة ... يشفي جوى في استك من داخل

  فقال أبو العتاهية: شمقمق واللَّه! وقام مغضبا.

  استنشد ابن أبي أمية شعره ومدحه:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثنا عليّ بن محمد النّوفليّ قال حدّثني سليمان بن عبّاد قال حدّثنا سليمان بن مناذر قال:

  كنّا عند جعفر بن يحيى وأبو العتاهية حاضر في وسط المجلس؛ فقال أبو العتاهية لجعفر: جعلني اللَّه فداك!


(١) فيه تأنيث: فيه لين وتخنّث.

(٢) استطرفت: استحدثت. وفي الأصول: «متى استظرفتها» بالمعجمة.