كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 317 - الجزء 4

  رأى من صالح المسكين جفوة فعاتبه فجاهره بالعداوة:

  أخبرني أحمد بن العبّاس عن ابن عليل العنزيّ قال حدّثنا أبو أنس كثير بن محمد الحزاميّ قال حدّثني الزّبير بن بكَّار [عن]⁣(⁣١) معروف العامليّ قال:

  قال أبو العتاهية: كنت منقطعا إلى صالح المسكين، وهو ابن أبي جعفر المنصور، فأصبت في ناحيته مائة ألف درهم، وكان لي ودودا⁣(⁣٢) وصديقا، فجئته يوما، وكان لي في مجلسه مرتبة لا يجلس فيها غيري، فنظرت إليه قد قصّر بي عنها، وعاودته ثانية فكانت حاله تلك، ورأيت نظره إليّ ثقيلا، فنهضت وقلت:

  /

  أراني صالح بغضا ... فأظهرت له بغضا

  ولا واللَّه لا ينق ... ض إلا زدته نقضا

  وإلَّا زدته مقتا ... وإلا زدته رفضا

  ألا يا مفسد الودّ ... وقد كان له محضا

  تغضبت من الريح ... فما أطلب أن ترضى

  لئن كان لك المال ال ... مصفى إنّ لي عرضا

  قال أبو العتاهية: فنمي الكلام إلى صالح فنادى بالعداوة؛ فقلت فيه:

  مددت لمعرض حبلا طويلا ... كأطول ما يكون من الحبال

  حبال بالصّريمة ليس تفنى ... موصّلة على عدد الرمال

  فلا تنظر إليّ ولا تردني ... ولا تقرب حبالك من حبالي

  فليت الرّدم⁣(⁣٣) من يأجوج بيني ... وبينك مثبتا أخرى الليالي

  فكرش⁣(⁣٤) إن أردت لنا كلاما ... ونقطع قحف⁣(⁣٥) رأسك بالقذال⁣(⁣٦)

  استنشده مساور شعرا في جنازة فأبى:

  حدّثني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثنا عليّ بن سليمان النّوفليّ قال: قال مساور السبّاق، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير عن مساور السبّاق قال:

  شهدت جنازة في أيّام الحاجّ وقت خروج الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن⁣(⁣٧) المقتول بفخّ⁣(⁣٨)، فرأيت رجلا قد حضر الجنازة معنا وقد قال لآخر: هذا / الرجل الذي / صفته كذا وكذا أبو العتاهية.


(١) زيادة يقتضيها السياق. وفي ح: «الزبير بن معروف العاملي».

(٢) في ح، ب: «ودّا». والود (مثلث الواو): الكثير الود، كالودود.

(٣) الردم: سدّ يأجوج ومأجوج.

(٤) كرّش الرجل: قطب وجهه.

(٥) القحف: العظم الذي فوق الدماغ من الجمجمة. وقيل لا يسمى قحفا حتى ينفلق من الجمجمة فيبين.

(٦) كذا في ح. والقذال: جماع مؤخر الرأس ما بين نقرة القفا إلى الأذن. وفي سائر الأصول: «بالقتال» بالتاء المثناة من فوق.

(٧) في طبعة بولاق: الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن الحسين.

(٨) فخ: واد بمكة، وهو فيما قيل: وادي الزاهر.