كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 324 - الجزء 4

  إنّما الشّيب لابن آدم ناع ... قام في عارضيه ثم نعاه

  / من تمنّى المنى فأغرق فيها ... مات من قبل أن ينال مناه

  ما أذلّ المقلّ في أعين النّا ... س لإقلاله وما أقماه⁣(⁣١)

  إنما تنظر العيون من النا ... س إلى من ترجوه أو تخشاه

  ثم قال لي: كيف رأيتها؟ فقلت له: لقد جوّدتها لو لم تكن ألفاظها سوقيّة. فقال: واللَّه ما يرغَّبنيّ فيها إلَّا الذي زهّدك فيها.

  مر به حميد الطوسي متكبرا فقال شعرا:

  ونسخت من كتابه: عن عليّ بن مهديّ قال حدّثني عبد اللَّه بن عطيّة عن محمد بن عيسى الحربيّ قال:

  كنت جالسا مع أبي العتاهية، إذ مرّ بنا حميد الطَّوسيّ في موكبه وبين يديه الفرسان والرّجّالة، وكان بقرب أبي العتاهية سواديّ⁣(⁣٢) على أتان، فضربوا وجه الأتان ونحّوه عن الطريق، وحميد واضع طرفه على معرفة فرسه والناس ينظرون إليه يعجبون منه وهو لا يلتفت تيها؛ فقال أبو العتاهية:

  للموت أبناء بهم ... ما شئت من صلف وتيه

  وكأنّني بالموت قد ... دارت رحاه على بنيه

  / قال: فلمّا جاز حميد مع صاحب الأتان قال أبو العتاهية:

  ما أذلّ المقلّ في أعين النا ... س لإقلاله وما أقماه

  إنما تنظر العيون من النا ... س إلى من ترجوه أو تخشاه

  اعترض عليه في بخله فأجاب:

  قال عليّ بن مهديّ وحدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:

  قيل لأبي العتاهية: مالك تبخل بما رزقك اللَّه؟ قال: واللَّه ما بخلت بما رزقني اللَّه قطَّ. قيل له: وكيف ذاك وفي بيتك من المال ما لا يحصى؟ قال: ليس ذلك رزقي، ولو كان رزقي لأنفقته.

  طلب من صالح الشهرزوري حاجة فلم يقضها فعاتبه حتى استرضاه فمدحه:

  قال عليّ بن مهديّ وحدّثني محمد بن جعفر الشّهرزوريّ قال حدّثني رجاء مولى صالح الشّهرزوريّ قال:

  كان أبو العتاهية صديقا لصالح الشهرزوريّ وآنس الناس به، فسأله أن يكلَّم الفضل بن يحيى في حاجة له؛ فقال له صالح: لست أكلَّمه في أشباه هذا، ولكن حمّلني ما شئت في مالي. فانصرف عنه أبو العتاهية وأقام أيّاما لا يأتيه؛ فكتب إليه أبو العتاهية:

  أقلل زيارتك الصديق ولا تطل ... إتيانه فتلجّ في هجرانه


(١) ما أقماه: ما أذله.

(٢) السواديّ: القرويّ، من سواد البلدة وهو ما حولها من القرى، أو هو الرجل من عامة الناس.