ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  إنّما الشّيب لابن آدم ناع ... قام في عارضيه ثم نعاه
  / من تمنّى المنى فأغرق فيها ... مات من قبل أن ينال مناه
  ما أذلّ المقلّ في أعين النّا ... س لإقلاله وما أقماه(١)
  إنما تنظر العيون من النا ... س إلى من ترجوه أو تخشاه
  ثم قال لي: كيف رأيتها؟ فقلت له: لقد جوّدتها لو لم تكن ألفاظها سوقيّة. فقال: واللَّه ما يرغَّبنيّ فيها إلَّا الذي زهّدك فيها.
  مر به حميد الطوسي متكبرا فقال شعرا:
  ونسخت من كتابه: عن عليّ بن مهديّ قال حدّثني عبد اللَّه بن عطيّة عن محمد بن عيسى الحربيّ قال:
  كنت جالسا مع أبي العتاهية، إذ مرّ بنا حميد الطَّوسيّ في موكبه وبين يديه الفرسان والرّجّالة، وكان بقرب أبي العتاهية سواديّ(٢) على أتان، فضربوا وجه الأتان ونحّوه عن الطريق، وحميد واضع طرفه على معرفة فرسه والناس ينظرون إليه يعجبون منه وهو لا يلتفت تيها؛ فقال أبو العتاهية:
  للموت أبناء بهم ... ما شئت من صلف وتيه
  وكأنّني بالموت قد ... دارت رحاه على بنيه
  / قال: فلمّا جاز حميد مع صاحب الأتان قال أبو العتاهية:
  ما أذلّ المقلّ في أعين النا ... س لإقلاله وما أقماه
  إنما تنظر العيون من النا ... س إلى من ترجوه أو تخشاه
  اعترض عليه في بخله فأجاب:
  قال عليّ بن مهديّ وحدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
  قيل لأبي العتاهية: مالك تبخل بما رزقك اللَّه؟ قال: واللَّه ما بخلت بما رزقني اللَّه قطَّ. قيل له: وكيف ذاك وفي بيتك من المال ما لا يحصى؟ قال: ليس ذلك رزقي، ولو كان رزقي لأنفقته.
  طلب من صالح الشهرزوري حاجة فلم يقضها فعاتبه حتى استرضاه فمدحه:
  قال عليّ بن مهديّ وحدّثني محمد بن جعفر الشّهرزوريّ قال حدّثني رجاء مولى صالح الشّهرزوريّ قال:
  كان أبو العتاهية صديقا لصالح الشهرزوريّ وآنس الناس به، فسأله أن يكلَّم الفضل بن يحيى في حاجة له؛ فقال له صالح: لست أكلَّمه في أشباه هذا، ولكن حمّلني ما شئت في مالي. فانصرف عنه أبو العتاهية وأقام أيّاما لا يأتيه؛ فكتب إليه أبو العتاهية:
  أقلل زيارتك الصديق ولا تطل ... إتيانه فتلجّ في هجرانه
(١) ما أقماه: ما أذله.
(٢) السواديّ: القرويّ، من سواد البلدة وهو ما حولها من القرى، أو هو الرجل من عامة الناس.