ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  عنده، ودخل الحرس والجند معهم الشمع فأخرجونا جميعا، وقدّم قبلي إلى الرشد. فسأله عن أحمد بن عيسى؛ فقال: لا تسألني عنه واصنع ما أنت صانع، فلو أنه تحت ثوبي هذا ما كشفته عنه. وأمر بضرب عنقه فضرب. ثم قال لي: أظنّك قد ارتعت يا إسماعيل! فقلت: دون ما رأيته تسيل منه النفوس. فقال: ردّوه إلى محبسه فرددت، وانتحلت هذين البيتين وزدت فيهما:
  إذا أنا لم أقبل من الدّهر كلّ ما ... تكرّهت منه طال عتبي على الدهر
  / لزرزور غلام المارقيّ في هذين البيتين المذكورين خفيف رمل. وفيهما لعريب خفيف ثقيل.
  كان خلفا في شعره له منه الجيد والرديء:
  نسخت من كتاب هارون بن عليّ بن يحيى: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني ناجية بن عبد الواحد قال:
  / قال لي أبو العبّاس الخزيميّ:
  كان أبو العتاهية خلفا في الشعر، بينما هو يقول في موسى الهادي:
  لهفي على الزمن القصير ... بين الخورنق والسّدير
  إذ قال:
  أيا ذوي الوخامه ... أكثرتم الملامه
  فليس لي على ذا ... صبر ولا قلامه
  نعم عشقت موقا ... هل قامت القيامة
  لأركبنّ فيمن ... هويته الصّرامه
  عرض شعرا له على سلَّم الخاسر فذمه فأجابه:
  ونسخت من كتابه(١): حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني أحمد بن عيسى قال حدّثني الجمّاز قال:
  قال سلَّم الخاسر: صار إليّ أبو العتاهية فقال: جئتك زائرا؛ فقلت: مقبول منك ومشكور أنت عليه، فأقم.
  فقال: إنّ هذا مما يشتدّ عليّ. قلت: ولم يشتدّ عليك ما يسهل على أهل الأدب؟ فقال: لمعرفتي بضيق صدرك.
  فقلت له وأنا أضحك وأعجب من مكابرته: «رمتني بدائها(٢) وانسلَّت». فقال: دعني من هذا واسمع منّي أبياتا.
  فقلت: هات؛ فأنشدني:
  نغّص الموت كلّ لذّة عيش ... يا لقومي للموت ما أوحاه(٣)
  عجبا أنّه إذا مات ميت ... صدّ عنه حبيبه وجفاه
  حيثما وجّه امرؤ ليفوت ال ... موت فالموت واقف بحذاه
(١) يريد كتاب هارون بن علي الوارد في الصفحة السابقة.
(٢) هذا مثل يضرب لمن يعيّر آخر غيبا هو فيه.
(٣) ما أوحاه: ما أسرعه.