كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أمية بن أبي الصلت ونسبه وخبره

صفحة 346 - الجزء 4

  قال الأصمعي: كل شعره في بحث الآخرة:

  قال الزّبير وحدّثني يحيى بن محمد عن الأصمعيّ قال: ذهب أميّة في شعره بعامّة ذكر الآخرة، وذهب عنترة بعامّة ذكر الحرب، وذهب عمر بن أبي ربيعة بعامّة ذكر الشباب.

  جاءه طائران وهو نائم فشق أحدهما عن قلبه:

  قال الزبير حدّثني عمر⁣(⁣١) بن أبي بكر المؤمّلي قال حدّثني رجل من أهل الكوفة قال:

  كان أميّة نائما فجاء طائران / فوقع أحدهما على باب البيت، ودخل الآخر فشقّ عن قلبه ثم ردّه الطائر؛ فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال نعم. قال: زكا؟ قال: أبى⁣(⁣٢).

  خرج مع ركب إلى الشام فعرضت لهم جنية فاسترشد راهبا للوقاية منها:

  أخبرني عمّي قال حدّثني أحمد بن الحارث عن ابن الأعرابيّ عن ابن دأب قال:

  خرج ركب من ثقيف إلى الشأم، وفيهم أميّة بن أبي الصّلت، فلمّا قفلوا راجعين نزلوا منزلا ليتعشّوا بعشاء، إذ أقبلت عظاية⁣(⁣٣) حتّى دنت منهم، فحصبها بعضهم بشيء في وجهها فرجعت؛ وكفتوا⁣(⁣٤) سفرتهم ثم قاموا يرحلون ممسين؛ فطلعت عليهم / عجوز من وراء كثيب مقابل لهم تتوكَّأ على عصا، فقالت: ما منعكم أن تطعموا رجيمة⁣(⁣٥) الجارية اليتيمة التي جاءتكم عشيّة؟ قالوا: ومن أنت؟ قالت: أنا أمّ العوّام، إمت⁣(⁣٦) منذ أعوام؛ أمّا وربّ العباد، لتفترقنّ في البلاد؛ وضربت بعصاها الأرض ثم قالت: بطَّئي إيابهم، ونفّري ركابهم؛ فوثبت الإبل كأنّ على ذروة كل بعير منها شيطانا ما يملك منها شيء، حتى افترقت في الوادي. فجمعناها في آخر النهار من الغد ولم نكد⁣(⁣٧). فلمّا أنخناها لنرحلها طلعت علينا العجوز فضربت الأرض بعصاها ثم قالت كقولها الأوّل؛ ففعلت الإبل كفعلها بالأمس، فلم نجمعها إلا الغد⁣(⁣٨) عشيّة. فلمّا أنخناها لنرحلها أقبلت العجوز ففعلت كفعلها في اليومين ونفرت الإبل. فقلنا لأميّة: أين ما كنت تخبرنا به عن نفسك؟ فقالت: اذهبوا أنتم في طلب الإبل ودعوني. فتوجّه إلى ذلك الكثيب الذي كانت العجوز تأتي منه حتى علاه وهبط منه إلى واد، فإذا فيه كنيسة وقناديل، وإذا رجل مضطجع معترض على بابها، وإذا رجل أبيض الرأس واللَّحية؛ فلمّا رأى أميّة قال: إنّك لمتبوع، فمن أين يأتيك صاحبك؟ قال: من أذني اليسرى. قال فبأيّ الثياب يأمرك؟ قال: بالسواد. قال: هذا خطيب الجنّ؛ كدت واللَّه أن تكونه ولم تفعل؛ إنّ


(١) في الأصول: «عمرو بن أبي بكر الموصلي». وانظر الحاشية رقم ١ في الصفحة ١٢٣.

(٢) ورد هذا الخبر في «طبقات الشعراء» لمحمد بن سلام الجمحي (ص ٦٧ طبع أوروبا) مع زيادة في العبارة واختلاف في بعض الكلمات. وسيعيده المؤلف بتفصيل أوفى في ص ١٢٧.

(٣) العظاية: دويبة ملساء تشبه سام أبرص وتسمى شحمة الأرض وشحمة الرمل، وهي أنواع كثيرة وكلها منقطة بالسواد، ومن طبعها أنها تمشي مشيا سريعا ثم تقف.

(٤) كذا في أ، ء، م. وكفت الشيء: ضم بعضه إلى بعض. وفي سائر الأصول: «وكفوا». والسفرة: ما يبسط تحت الخوان من جلد أو غيره.

(٥) في ح: «رحيمة» بالحاء المهملة.

(٦) آمت المرأة (من باب ضرب): فقدت زوجها.

(٧) في الأصول: «تكد» بالتاء المثناة من فوق.

(٨) في الأصول: «إلى الغد».