كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر عن غزاة بدر

صفحة 386 - الجزء 4

  العسكر ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه، ولكن أمهلوني حتّى أنظر: أللقوم كمين أو مدد. قال: فضرب في الوادي حتى أمعن، فلم ير شيئا، فرجع فقال: لم أر شيئا، ولكن قد رأيت / يا معشر قريش الولايا⁣(⁣١) تحمل المنايا! نواضح⁣(⁣٢) يثرب تحمل الموت الناقع! قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلَّا سيوفهم. واللَّه ما أرى أن يقتل رجل منهم حتّى يقتل رجلا منكم! فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك! فروا رأيكم.

  فلمّا سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة وقال: يا أبا الوليد، إنّك كبير قريش الليلة وسيّدها والمطاع فيها، هل لك إلى أمر لا تزال تذكر منه بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرميّ. قال: قد فعلت، أنت على ذلك شهيد، إنما هو حليفي فعليّ عقله⁣(⁣٣) وما أصيب من ماله؛ فأت ابن الحنظليّة⁣(⁣٤) فإنّي لا أخشى أن يسحر الناس غيره (يعني أبا جهل بن هشام).

  يقص حكيم بن حزام حديث بدر لمروان بن الحكم:

  حدّثنا محمد قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثنا غمامة⁣(⁣٥) بن عمرو السّهمي قال حدّثنا مسوّر بن عبد الملك اليربوعيّ عن أبيه عن سعيد بن المسيّب قال:

  بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل عليه حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام. قال: إيذن له. فلمّا دخل حكيم بن حزام، قال: مرحبا بك يا أبا خالد، أدن؛ فحال له مروان عن صدر المجلس حتّى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدّثنا حديث بدر. قال: خرجنا حتّى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا؛ ثم خرجنا حتّى نزلنا العدوة التي / قال اللَّه ø؛ فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قال: قلت: إنّكم لا تطلبون من محمد إلَّا دم واحد: (ابن الحضرميّ) وهو حليفك، فتحمّل ديته فيرجع الناس. قال: أنت وذاك، وأنا أتحمّل ديته، فاذهب إلى ابن الحنظليّة (يعني أبا جهل) فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمّك؟

  فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن ورائه، فإذا ابن الحضرميّ واقف على رأسه وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمّك بمن معك؟ قال: أما وجد رسولا غيرك؟ قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولا لغيره. قال حكيم: فخرج مبادرا إلى عتبة وخرجت معه لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة يتّكئ على إيماء بن رحضة الغفاريّ، وقد أهدى


(١) الولايا: جمع ولية، وهي البرذعة أو ما تحتها.

(٢) النواضح: جمع ناضح. والناضح: البعير يستقى عليه، ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.

(٣) العقل: الدية.

(٤) قال ابن هشام: الحنظلية أم أبي جهل، وهي أسماء بنت مخرّبة أحد بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.

(٥) كذا في الأصول بالغين المعجمة. وقد ذكر الطبري (قسم أوّل ص ١٣١٣) هذا القصة بهذا الإسناد، وفيه: «عمامة بن عمرو السهمي» بالعين المهملة. وفي هامشه في الصفحة نفسها نقلا عن نسخة أخرى: «غمامة» بالغين المعجمة كما في الأصول. وفي القسم الثالث من الطبري (ص ٢٦٨): «عثامة بن عمرو السهمي». وفي هامشه في الصفحة نفسها نقلا عن نسختين أخريين: «غمانة» بالغين و «عتّامة» بالعين والتاء. ولم نعثر على هذا الاسم في «كتب التراجم» حتى نستطيع ترجيح أحد هذه الأسماء.