كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر عن غزاة بدر

صفحة 387 - الجزء 4

  إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل والشرّ في وجهه، فقال لعتبة: انتفخ سحرك⁣(⁣١)! فقال عتبة: فستعلم.

  فسلّ أبو جهل سيفه / فضرب به متن فرسه؛ فقال إيماء بن رحضة: بئس المقام هذا! فعند ذلك قامت الحرب.

  رجع الحديث إلى ابن إسحاق:

  نصح عتبة بن ربيعة قريشا بالرجوع فأبى أبو جهل:

  ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبا، فقال: يا معشر قريش، واللَّه ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا! واللَّه لئن أصبتموه، لا يزال الرجل منكم ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، رجل قتل ابن عمّه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلَّوا بين محمد وبين سائر العرب؛ فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم⁣(⁣٢) / ولم تعدموا منه ما تريدون. قال حكيم: فانطلقت حتّى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل⁣(⁣٣) درعا له من جرابها⁣(⁣٤) وهو يهيّئها؛ فقلت له: يا أبا الحكم، إنّ عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا (الذي قال)؛ فقال: انتفخ واللَّه سحره حين رأى محمدا وأصحابه. كلَّا واللَّه! لا مرجع حتّى يحكم اللَّه بيننا وبين محمد وأصحابه؛ وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أنّ محمدا وأصحابه أكلة⁣(⁣٥) جزور، وفيهم ابنه قد تخوّفكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرميّ فقال له: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثارك بعينك، فقم فأنشد خفرتك⁣(⁣٦) ومقتل أخيك. فقام عامر بن الحضرميّ فاكتشف⁣(⁣٧) ثم صرخ: وا عمراه! وا عمراه! فحميت الحرب، وحقب⁣(⁣٨) أمر الناس، واستوسقوا⁣(⁣٩) على ما هم عليه من الشرّ، وأفسد على الناس الرّأي الذي دعاهم إليه عتبة بن ربيعة. ولمّا بلغ عتبة قول أبي جهل: «انتفخ سحره» قال: سيعلم مصفّر الاست من انتفخ سحره: أنا أم هو! ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فلم يجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته؛ فلمّا رأى ذلك اعتجر⁣(⁣١٠) على رأسه ببرد له.

  أقسم الأسود بن عبد الأسد ليشربن من حوض المسلمين فقتل:

  وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزوميّ، وكان رجلا شرسا سيّء الخلق، فقال: أعاهد اللَّه لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنّه أو لأموتنّ دونه. فلمّا خرج خرج له حمزة بن عبد المطَّلب، فلمّا التقيا ضربه حمزة فأبان قدمه


(١) يكنى بانتفاخ السحر عن مجاوزة القدر، ولكنه هنا كناية عن الجبن؛ وذلك أن الجبان يملأ الخوف جوفه فينتفخ سحره. والسحر:

الرئة وما حولها مما يعلق به الحلقوم فوق السرة.

(٢) في ح: «ألفاكم ولم تعرضوا منه لما تريدون».

(٣) نثل: أخرج.

(٤) كذا في م، وهو الموافق لما في «السيرة» والطبري. وفي سائر الأصول: «عن جرابها».

(٥) يريد أنهم قلة تكفيهم جزور واحدة لطعامهم.

(٦) كذا في «السيرة» و «تاريخ الطبري». والخفرة: الذمة والعهد. وفي الأصول: «حقوقك».

(٧) كذا في م «والسيرة» والطبري. وفي «القاموس»: «واكتشفت المرأة لزوجها: بالغت في التكشف له عند الجماع». فلعله يريد أنه أشرف على شيء عال أو نحو ذلك حتى انكشف للناس ثم صرخ فيهم. وفي سائر الأصول: «فاكتنف»، وهو تحريف.

(٨) حقب أمر الناس: فسد.

(٩) استوسقوا: اجتمعوا.

(١٠) الاعتجار: لف العمامة على الرأس.