ذكر الخبر عن غزاة بدر
  بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره / تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن يبرّ يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتّى قتله في الحوض.
  طلب عتبة بن ربيعة وابنه وأخوه المبارزة فندب لهم النبيّ من قتلهم:
  ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتّى إذا نصل(١) من الصّفّ دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة نفر، وهم: عوف(٢) ومعوّذ ابنا الحارث، وأمّهما عفراء ورجل آخر يقال(٣): هو عبد اللَّه بن رواحة؛ فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول اللَّه ﷺ: «قم يا حمزة بن عبد المطَّلب، قم يا عبيدة ابن الحارث، قم يا عليّ بن أبي طالب». فلمّا قاموا ودنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فقال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة:
  حمزة، وقال عليّ: عليّ. قالوا: نعم(٤) أكفاء كرام. فبارز عبيدة بن الحارث، وكان أسنّ القوم، عتبة بن ربيعة؛ وبارز حمزة شيبة بن ربيعة؛ وبارز عليّ الوليد بن عتبة. فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. و [أمّا](٥) عليّ فلم يمهل الوليد بن عتبة أن قتله. واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت(٦) صاحبه؛ فكَّر حمزة وعليّ على عتبة بأسيافهما فذفّفا(٧) عليه فقتلاه، واحتملا صاحبهما عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه وقد قطعت / رجله ومخّه يسيل. فلمّا أتوا بعبيدة إلى رسول اللَّه ﷺ قال: ألست شهيدا يا رسول اللَّه؟ / قال: «بلى». فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حيّا لعلم أنّي بما قال أحقّ منه حيث يقول:
  ونسلمه(٨) حتّى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
  قال محمد بن إسحاق: وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا له: أكفاء كرام، إنما نريد قومنا. ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض - وقد أمر رسول اللَّه ﷺ [أصحابه](٩) ألَّا
(١) كذا في «سيرة ابن هشام». ونصل: خرج. وفي الأصول والطبري: «فصل» بالفاء.
(٢) كذا في م، وهو الموافق لما في «سيرة ابن هشام» (ص ٤٤٣ طبع أوروبا) و «تاريخ الطبري» (ص ١٢١٠، ١٢١٢، ١٣١٧، ١٣٢٢، ١٣٣٦ من القسم الأوّل طبع أوروبا) و «طبقات ابن سعد». وفي الأصول: «عوذ» بالذال المعجمة في آخره، وهو قول لبعضهم في اسمه حكاه ابن عبد البر في «الاستيعاب» وابن حجر في «الإصابة».
(٣) كذا في «السيرة». وفي الأصول والطبري: «يقال له عبد اللَّه بن رواحة». ولا يخفى ما بين التعبيرين من خلاف.
(٤) في ح، ب: «نحن».
(٥) زيادة عن م «والسيرة» والطبري.
(٦) أثبت صاحبه: أثخنه بالجراح.
(٧) دفف على الجريح: أجهز عليه.
(٨) هذا البيت من قصيدة أبي طالب التي مطلعها:
خليليّ ما أذني لأوّل عاذل ... بصغواء في حق ولا عند باطل
وقبل هذا البيت:
كذبتم وبيت اللَّه نبزى محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناظل
ونبزي: نغلب ونقهر، وهو على تقدير النفي. ومحمد نصب على نزع الخافض، أي لا نغلب عليه. ونسلمه (بالرفع) معطوف على نبزي أي لا نسلمه. وقد ورد هذا البيت في «اللسان» مادة (بزا) هكذا:
كذبتم وحق اللَّه يبزي محمد .....
إلخ ومعناه، كما في «اللسان»، يقهر ويستذل. وهو على تقدير النفي أيضا.
(٩) زيادة عن «السيرة» والطبري.