ذكر الخبر عن غزاة بدر
  يا نبيّ اللَّه، بأبي أنت وأمّي، مناشدتك لربّك، سينجز لك ما وعدك. فأنزل اللَّه تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}(١).
  حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن وكيع قال حدّثنا الثّقفيّ (يعني عبد الوهّاب) عن خالد عن عكرمة عن ابن عبّاس:
  أنّ النبيّ ﷺ قال وهو في قبّته(٢) يوم بدر «اللَّهمّ أسألك عهدك ووعدك. اللَّهمّ إن شئت لم تعبد بعد اليوم».
  قال: فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك / يا نبيّ اللَّه، فقد ألححت على ربّك، وهو في الدّرع؛ فخرج وهو يقول:
  {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسَّاعَةُ أَدْهى وأَمَرُّ}.
  رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
  أخذت النبيّ سنة ثم انتبه مبشرا بالنصر ومحرّضا على القتال:
  قال: وقد خفق رسول اللَّه ﷺ خفقة وهو في العريش، ثم انتبه فقال: «يا أبا بكر أتاك نصر اللَّه، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده وعلى ثناياه النّقع»(٣). قال: وقد رمي مهجع مولى عمر بن الخطَّاب بسهم فقتل، فكان أوّل قتيل من المسلمين. ثم رمي حارثة بن سراقة أحد بني عديّ بن النجّار وهو يشرب من الحوض [بسهم فأصاب نحره](٤) فقتل. ثم خرج رسول اللَّه ﷺ إلى الناس فحرّضهم ونفّل كلّ امرئ ما أصاب، وقال: «والذي نفسي بيده لا يقاتلهم / اليوم رجلا فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلَّا أدخله اللَّه الجنّة». فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلها: بخ بخ! أما بيني وبين أن أدخل الجنّة إلَّا أن يقتلني هؤلاء! قال: ثم قذف التّمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل، وهو يقول:
  ركضا إلى اللَّه بغير زاد ... إلَّا التّقى وعمل المعاد
  والصّبر في اللَّه على الجهاد ... وكلّ زاد عرضة النّفاد ... غير التّقى والبرّ والرّشاد
  حدّثنا محمد بن جرير قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة قال حدّثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة:
  أنّ عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء، قال: يا رسول اللَّه، ما يضحك الربّ من عبده؟ قال: «غمسه يده في العدوّ حاسرا»؛ فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
  التقاء الفريقين وهزيمة المشركين:
  حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وحدّثني محمد بن مسلم الزّهريّ عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير العذريّ حليف بني زهرة قال:
(١) مردفين: متتابعين بعضهم في إثر بعض.
(٢) كذا في «تاريخ الطبري». والمراد بالقبة العريش الذي نصب له. وفي الأصول: «في فتية» وهو تحريف.
(٣) النقع: الغبار.
(٤) زيادة عن «السيرة».