ذكر الخبر عن غزاة بدر
  لمّا التقى الناس ودنا بعضهم من بعض(١)، قال أبو جهل: اللَّهمّ أقطعنا للرّحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة؛ فكان هو المستفتح على نفسه. ثم إنّ رسول اللَّه ﷺ أخذ حفنة من الحصباء واستقبل بها قريشا، ثم قال:
  «شاهت الوجوه» ثم نفحهم(٢) بها، وقال لأصحابه: «شدّوا»؛ فكانت الهزيمة، فقتل اللَّه من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم. فلمّا وضع القوم أيديهم / يأسرون - ورسول اللَّه ﷺ في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول اللَّه ﷺ متوشّحا بالسيف في نفر من الأنصار، يحرسون رسول اللَّه ﷺ، يخافون عليه كرّة العدوّ - رأى رسول اللَّه ﷺ - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهة فيما يصنع الناس؛ فقال له: «كأنّك كرهت ما يصنع الناس»! قال: أجل يا رسول اللَّه! كانت أوّل وقعة أوقعها اللَّه ø بأهل الشّرك؛ فكان الإثخان في القتل أعجب إليّ من استبقاء الرجال.
  نهى النبيّ عن قتل جماعة خرجوا مستكرهين مع قريش:
  حدّثنا محمد قال حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال، وحدّثني العبّاس بن عبد / اللَّه بن معبد(٣) عن بعض أهله عن ابن عبّاس:
  أنّ رسول اللَّه ﷺ قال لأصحابه يومئذ: «إنّي قد عرفت أنّ رجالا من بني هاشم [وغيرهم](٤) قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا؛ فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختريّ [بن هشام] بن الحارث فلا يقتله ومن لقي العبّاس بن عبد المطَّلب - عمّ رسول اللَّه ﷺ - فلا يقتله، فإنّما خرج مستكرها». قال: فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أيقتل آباؤنا وأبناؤنا وإخواننا(٥) وعشيرتنا ونترك العبّاس! واللَّه لئن لقيته لألحمنّه(٦) السيف! فبلغت رسول اللَّه ﷺ، فجعل يقول لعمر بن الخطَّاب: «يا أبا حفص أما تسمع إلى قول أبي حذيفة يقول أضرب وجه عمّ رسول اللَّه ﷺ بالسيف». فقال: عمر: يا رسول اللَّه، دعني فلأضربنّ عنقه بالسيف، فو اللَّه لقد نافق. قال / عمر: واللَّه إنّه لأوّل يوم كناني فيه رسول اللَّه ﷺ بأبي حفص. قال: فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلَّا أن تكفّرها عنّي الشهادة؛ فقتل يوم اليمامة [شهيدا](٧).
  سبب نهي النبي عن قتل أبي البختري وقصة قتله:
  قال: وإنّما نهى رسول اللَّه ﷺ عن قتل أبي البختريّ، لأنه كان أكفّ القوم عن رسول اللَّه ﷺ وهو بمكة، كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه بمكة شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطَّلب. فلقيه المجدّر بن ذياد(٨) البلويّ حليف الأنصار من بني عديّ، فقال المجذّر بن ذياد لأبي البختريّ: إنّ
(١) كذا في م و «السيرة». وفي باقي الأصول: «ودنا بعضهم من بعضهم».
(٢) نفحهم: ضربهم.
(٣) كذا في «تاريخ الطبري» (ص ١٣٢٣ من القسم الأوّل طبع أوروبا) و «سيرة ابن هشام» (ص ٤٤٦ طبع أوروبا) و «تهذيب التهذيب» (ج ٥ ص ١٢٠ طبع الهند). وفي الأصول: «مصعب» وهو تحريف.
(٤) زيادة عن م «والسيرة» والطبري.
(٥) في «السيرة»: «وإخوتنا».
(٦) لأجعلن لحمه طعاما للسيف. وفي الأصول: «لألجمنه».
(٧) زيادة عن م «والسيرة» والطبري.
(٨) كذا في الطبري و «سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد» (ج ٣ ص ٩٨ من القسم الثاني طبع أوروبا) و «أسد الغابة» (ج ٤ ص ٣٠٢)
و