ذكر الخبر عن غزاة بدر
  أسدان لا يتذلَّلا ... ن ولا يرام حماهما
  رمحين خطَّيّين في ... كبد السماء تراهما
  ما خلَّفا إذ ودّعا ... في سؤدد شرواهما(١)
  سادا بغير تكلَّف ... عفوا يفيض نداهما
  معاظمتها الخنساء بعكاظ وشعرهما في مصابهما:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني الحارث بن أبي أسامة قال حدّثنا محمد بن سعد عن الواقديّ، وأخبرني ابن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الواقديّ عن عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال:
  لمّا كانت وقعة بدر، قتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة؛ فأقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم(٢) الخنساء هودجها في الموسم / ومعاظمتها العرب بمصيبتها بأبيها عمرو بن الشّريد وأخويها صخر ومعاوية، وأنّها / جعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وقد سوّمت هودجها براية، وأنها تقول: أنا أعظم العرب مصيبة، وأنّ العرب قد عرفت لها بعض ذلك. فلمّا أصيبت هند بما أصيبت به وبلغها ذلك، قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة، وأمرت بهودجها فسوّم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع فيها العرب، فقالت:
  اقرنوا جملي بجمل الخنساء، ففعلوا. فلمّا أن دنت منها، قالت لها الخنساء: من أنت يا أخيّة؟ قالت: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنّك تعاظمين العرب بمصيبتك، فبم تعاظمينهم؟ فقالت الخنساء: بعمرو بن الشّريد، وصخر ومعاوية ابني عمرو، وبم تعاظمينهم أنت؟ قالت: بأبي عتبة بن ربيعة، وعمّي شيبة بن ربيعة، وأخي الوليد. قالت الخنساء: أو سواءهم عندك؟ ثم أنشدت تقول:
  أبكَّي أبي عمرا بعين غزيرة ... قليل إذا نام الخليّ هجودها
  وصنويّ لا أنسى معاوية الذي ... له من سراة الحرّتين(٣) وفودها
  وصخرا، ومن ذا مثل صخر إذا غدا ... بساهمة(٤) الآطال قبّا يقودها
  فذلك يا هند الرّزيّة فاعلمي ... ونيران حرب حين شبّ وقودها
  / فقالت هند تجيبها:
  أبكَّي عميد الأبطحين(٥) كليهما ... وحاميهما من كل باغ يريدها
(١) شرواهما: مثلهما.
(٢) سوّم الشيء: جعل له سومة وعلامة ليعرف بها ويتميز.
(٣) الحرّة: الأرض ذات الحجارة السود النخرة. والمراد بالحرّتين: حرة بني سليم وحرة بني هلال بالحجاز. أي هو مقصد الأشراف من القبائل تأتيه وفودها فيما يلم بها.
(٤) كذا في «ديوان الخنساء» (طبع المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين سنة ١٨٩٥). والساهمة: الدقيقة. والآطال: جمع إطل (بالكسر وبكسرتين) وهو الخاصرة. وفي م: «بسلهبة الآطال» والسلهبة: من الخيل الطويلة على وجه الأرض. وفي سائر الأصول:
«الأبطال» وهو تحريف. وفي نسخة مخطوطة من «الديوان» محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (٥٧٠ أدب ص ٨٦): «بساهمة الأبصار قب». والقب: جمع أقب وقباء، وهي الفرس الدقيقة الخصر الضامرة البطن.
(٥) عميد القوم: سندهم وسيدهم. وتريد بالأبطحين: بطحاء مكة وسهل تهامة. وأصل الأبطح: المسيل الواسع فيه دقاق الحصى.