كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر عن غزاة بدر

صفحة 402 - الجزء 4

  أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي ... وشيبة والحامي الذّمار وليدها

  أولئك آل المجد من آل غالب ... وفي العزّ منها حين ينمي عديدها⁣(⁣١)

  وقالت لها أيضا يومئذ:

  من حسّ لي الأخوين كال ... غصنين أو من رآهما

  لم ينكر معاوية على عبد اللَّه بن جعفر سماعه الغناء:

  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني بعض القرشيّين قال:

  قدم عبد اللَّه بن جعفر على معاوية وافدا، فدخل عليه إنسان ثم ذهب إلى معاوية فقال: هذا ابن جعفر يشرب النّبيذ، ويسمع الغناء، ويحرّك رأسه عليه. فجاء معاوية متغيّرا حتّى دخل على ابن جعفر، وعزّة الميلاء بين يديه كالشمس الطالعة في كواء⁣(⁣٢) البيت يضيء بها البيت، تغنّيه على عودها:

  تبلت⁣(⁣٣) فؤادك في الظلام خريدة ... تشفي الضّجيع ببارد بسّام

  وبين يديه عسّ⁣(⁣٤)؛ فقال: ما هذا يا أبا جعفر؟ قال: أقسمت عليك يا أمير المؤمنين لتشربنّ منه، فإذا عسل مجدوح⁣(⁣٥) بمسك وكافور. فقال: هذا طيّب، فما هذا الغناء؟ قال: هذا شعر حسّان بن ثابت في الحارث بن هشام.

  قال: فهل تغنّي بغير هذا؟ / قال: نعم، بالشعر الذي يأتيك به الأعرابيّ الجافي⁣(⁣٦) الأدفر، القبيح المنظر، فيشافهك به، فتعطيه عليه؛ وآخذه أنا، فأختار محاسنه ورقيق كلامه، فأعطيه هذه الحسنة الوجه، اللَّيّنة اللمس، الطيبة الريح، فترتله بهذا الصوت الحسن. قال: فما تحريكك رأسك؟ قال: أريحيّة أجدها إذا سمعت الغناء، لو سئلت عندها لأعطيت، ولو لقيت لأبليت. فقال معاوية: قبّح اللَّه قوما عرّضوني لك. ثم خرج وبعث / إليه بصلة.

  صوت من المائة المختارة

  عمر بن أبي ربيعة ونعم:

  أيّها القلب لا أراك تفيق ... طالما قد تعلَّقتك العلوق⁣(⁣٧)

  من يكن من هوى حبيب قريبا ... فأنا النازح البعيد السّحيق


(١) عديدها: جموعها.

(٢) كواء البيت: منافذه وثقوبه، واحدها كوّة. وفي م: «كسر البيت». وفي سائر الأصول: «كذا البيت» بالدال المهملة، وهو تحريف.

(٣) ورد هذا البيت في «ديوان حسان» (طبع أوروبا ص ٣) هكذا:

تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقى الضجيع ببارد بسام

وتبلت فؤادك: أسقمته وذهبت به.

(٤) العس (بالضم): القدح الكبير.

(٥) مجدوح: مخلوط.

(٦) الجافي: الغليظ في المعاشرة. والأدفر (بالدال المهملة): النتن.

(٧) يريد به ما علقه من كلف الحب وجهده.