ذكر الخبر عن غزاة بدر
  أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي ... وشيبة والحامي الذّمار وليدها
  أولئك آل المجد من آل غالب ... وفي العزّ منها حين ينمي عديدها(١)
  وقالت لها أيضا يومئذ:
  من حسّ لي الأخوين كال ... غصنين أو من رآهما
  لم ينكر معاوية على عبد اللَّه بن جعفر سماعه الغناء:
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال حدّثني بعض القرشيّين قال:
  قدم عبد اللَّه بن جعفر على معاوية وافدا، فدخل عليه إنسان ثم ذهب إلى معاوية فقال: هذا ابن جعفر يشرب النّبيذ، ويسمع الغناء، ويحرّك رأسه عليه. فجاء معاوية متغيّرا حتّى دخل على ابن جعفر، وعزّة الميلاء بين يديه كالشمس الطالعة في كواء(٢) البيت يضيء بها البيت، تغنّيه على عودها:
  تبلت(٣) فؤادك في الظلام خريدة ... تشفي الضّجيع ببارد بسّام
  وبين يديه عسّ(٤)؛ فقال: ما هذا يا أبا جعفر؟ قال: أقسمت عليك يا أمير المؤمنين لتشربنّ منه، فإذا عسل مجدوح(٥) بمسك وكافور. فقال: هذا طيّب، فما هذا الغناء؟ قال: هذا شعر حسّان بن ثابت في الحارث بن هشام.
  قال: فهل تغنّي بغير هذا؟ / قال: نعم، بالشعر الذي يأتيك به الأعرابيّ الجافي(٦) الأدفر، القبيح المنظر، فيشافهك به، فتعطيه عليه؛ وآخذه أنا، فأختار محاسنه ورقيق كلامه، فأعطيه هذه الحسنة الوجه، اللَّيّنة اللمس، الطيبة الريح، فترتله بهذا الصوت الحسن. قال: فما تحريكك رأسك؟ قال: أريحيّة أجدها إذا سمعت الغناء، لو سئلت عندها لأعطيت، ولو لقيت لأبليت. فقال معاوية: قبّح اللَّه قوما عرّضوني لك. ثم خرج وبعث / إليه بصلة.
  صوت من المائة المختارة
  عمر بن أبي ربيعة ونعم:
  أيّها القلب لا أراك تفيق ... طالما قد تعلَّقتك العلوق(٧)
  من يكن من هوى حبيب قريبا ... فأنا النازح البعيد السّحيق
(١) عديدها: جموعها.
(٢) كواء البيت: منافذه وثقوبه، واحدها كوّة. وفي م: «كسر البيت». وفي سائر الأصول: «كذا البيت» بالدال المهملة، وهو تحريف.
(٣) ورد هذا البيت في «ديوان حسان» (طبع أوروبا ص ٣) هكذا:
تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقى الضجيع ببارد بسام
وتبلت فؤادك: أسقمته وذهبت به.
(٤) العس (بالضم): القدح الكبير.
(٥) مجدوح: مخلوط.
(٦) الجافي: الغليظ في المعاشرة. والأدفر (بالدال المهملة): النتن.
(٧) يريد به ما علقه من كلف الحب وجهده.