كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الأحوص وأخباره ونسبه

صفحة 413 - الجزء 4

  ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد⁣(⁣١)، وكانت قد نذرت حين قتل عاصم ابنها⁣(⁣٢) يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه⁣(⁣٣) الخمر، فمنعته الدّبر. فلمّا حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي، فتذهب عنه فنأخذه. فبعث اللَّه ø الوادي فاحتمل عاصما فذهب به. وكان عاصم قد أعطى اللَّه ø عهدا لا يمسّه مشرك أبدا ولا يمسّ مشركا أبدا تنجّسا⁣(⁣٤) منه. فكان عمر بن الخطَّاب ¥ يقول حين بلغه أن الدّبر منعته:

  «عجبا لحفظ اللَّه ø العبد المؤمن! كان عاصم نذر ألَّا يمسّه مشرك ولا يمسّ مشركا أبدا في حياته، فمنعه اللَّه بعد مماته كما امتنع منه في حياته!».

  رواية أخرى عن البعث ومصيره:

  قال محمد بن جرير: وأمّا غير ابن إسحاق، فإنّه قصّ من خبر هذه السّريّة غير الذي قصّه غيره:

  من ذلك ما حدّثنا أبو كريب قال حدّثنا جعفر بن عون العمريّ قال حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل عن عمر⁣(⁣٥) أو عمرو بن أسيد عن أبي هريرة:

  / أنّ رسول اللَّه بعث عشرة رهط، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فخرجوا، حتّى إذا كانوا بالهدأة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فبعثوا إليهم مائة رجل راميا، فوجدوا مأكلهم حيث / أكلوا التّمر، فقالوا: نوى يثرب! ثم اتّبعوا آثارهم؛ حتّى إذا أحسّ بهم عاصم وأصحابه التجؤوا إلى جبل، فأحاط بهم الآخرون فاستنزلوهم، وأعطوهم العهد. فقال عاصم: واللَّه لا أنزل على عهد كافر، اللَّهمّ أخبر نبيّك عنّا. ونزل إليهم ابن الدّثنّة البياضيّ، وخبيب، ورجل آخر؛ فأطلق القوم أوتار قسيّهم، ثم أوثقوهم، فجرحوا رجلا من الثلاثة، فقال: هذا واللَّه أوّل الغدر، واللَّه لا أتبعكم، فضربوه وقتلوه؛ وانطلقوا بخبيب وابن الدّثنّة إلى مكَّة، فدفعوا خبيبا إلى بني الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بأحد. فبينما خبيب عند بنات الحارث، استعار من إحدى بنات الحارث موسى ليستحد⁣(⁣٦) بها للقتل، فما راع المرأة ولها صبيّ يدرج إلَّا خبيب قد أجلس الصبيّ على فخذه والموسى بيده، فصاحت المرأة؛ فقال خبيب: أتحسبين أنّي أقتله! إنّ الغدر ليس من


(١) كذا في «طبقات ابن سعد» (ق ٢ ج ٣ ص ٣٣ طبع أوروبا) و «تاريخ الطبري» و «سيرة ابن هشام» و «معجم ما استعجم» للبكري.

وفي الأصول: «سهيل» وهو خطأ.

(٢) في «معجم ما استعجم»: «ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد أم مسافع والجلاس ابني طلحة، وكان عاصم قتلهما يوم أحد فنذرت ... إلخ». وفي «طبقات ابن سعد» أنها جعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة.

(٣) العظم الذي فوق الدماغ.

(٤) يقال: فلان يتنجس إذا فعل فعلا يخرج به عن النجاسة، كما يقال: يتأثم ويتحرج ويتحنث إذا فعل فعلا يحرج به عن الإثم والحرج والحنث.

(٥) كذا في «تاريخ الطبري» (قسم أوّل ص ١٤٣٤ طبع أوروبا) وقد ذكره صاحب «تهذيب التهذيب» في اسم عمرو بن أبي سفيان بن أسيد وأورد اسمه أيضا في «عمر» وأحاله على «عمرو»، وهذا يفيد ترجيحه اسم «عمرو»، كما أنه أثبت في ترجمة أبي هريرة رواية عمرو بن أبي سفيان بن أسيد عنه. وفي ح: «عن عمر أو عمرو بن أسد». وفي سائر الأصول: «عمرو بن عمرو بن أسد» وهما تحريف؛ لأنه لم يوجد في أسماء الرواة من تسمى بهذا الاسم.

(٦) يستحدّ: يحلق شعر عانته. قال في «اللسان» مادة حدد: «وفي حديث خبيب أنه استعار موسى استحدّ بها لأنه كان أسيرا عندهم وأرادوا قتله، فاستحدّ لئلا يظهر شعر عانته عند قتله». ومنه الحديث حين قدم من سفر فأراد الناس أن يطرقوا النساء ليلا فقال:

«أمهلوا كي تمتشط الشّعثة وتستحدّ المغيبة». قال أبو عبيد: «وهو استفعال من الحديدة يعني الاستحلاق بها، استعمله على طريق الكناية والتورية».