كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الأحوص وأخباره ونسبه

صفحة 414 - الجزء 4

  شأننا. قال: فقالت المرأة بعد: ما رأيت أسيرا قطَّ خيرا من خبيب، لقد رأيته وما بمكة من ثمرة وإنّ في يده لقطفا من عنب يأكله، إن كان إلَّا رزقا رزقه اللَّه خبيبا. وبعث حيّ من قيس إلى عاصم ليؤتوا من لحمه بشيء، وقد كان لعاصم فيهم آثار⁣(⁣١) بأحد، فبعث اللَّه عليه دبرا فحمت لحمه / فلم يستطيعوا أن يأخذوا من لحمه شيئا. فلمّا خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه، قال: ذروني أصلّ ركعتين، فتركوه فصلَّى ركعتين - فجرت سنّة لمن قتل صبرا أن يصلَّي ركعتين - ثم قال: لولا أن يقال جزع لزدت، وما أبالي:

  على أيّ شقّ كان للَّه مصرعي⁣(⁣٢)

  ثم قال:

  وذلك في ذات⁣(⁣٣) الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع

  اللَّهمّ أحصهم عددا⁣(⁣٤)، وخذهم بددا. ثم خرج به أبو سروعة⁣(⁣٥) بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف فضربه فقتله.

  حدّثنا محمد قال حدّثنا أبو كريب قال حدّثنا جعفر بن عون عن إبراهيم بن إسماعيل، قال وأخبرني جعفر بن عمرو بن أميّة عن أبيه عن جدّه:

  / أن رسول اللَّه بعثه وحده عينا إلى قريش. قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون، فرقيت فيها، فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض، فانتبذت⁣(⁣٦) غير بعيد، ثم التفتّ فلم أر لخبيب أثرا، فكأنّما الأرض ابتلعته، فلم تظهر لخبيب رمّة حتّى الساعة.

  قال محمد بن جرير: وأمّا زيد بن الدّثنّة، فإنّ صفوان بن أميّة بعث [به]⁣(⁣٧) - فيما حدّثنا ابن حميد قال حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق - [مع]⁣(⁣٧) مولى له يقال له نسطاس إلى التّنعيم، فأخرجه من الحرم ليقتله؛ واجتمع [إليه]⁣(⁣٧) رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب؛ فقال له أبو سفيان حين قدّم ليقتل: أنشدك اللَّه يا زيد، أتحبّ أنّ محمدا عندنا الآن مكانك فنضرب عنقه وأنّك في أهلك؟ فقال: واللَّه ما أحبّ أنّ محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه


(١) كذا في أكثر النسخ. وآثار: جمع ثأر على القلب. وفي ح: «أوتار» جمع وتر، وهو الجناية التي يجنيها الرجل على غير، من قتل أو نهب أو سبى.

(٢) هذا الشطر من قصيدة نسبها ابن هشام في «السيرة» (ص ٦٤٣ طبع أوروبا) لخبيب هذا، ومطلعها:

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع

(٣) في ذات الإله: في طاعته وطلب رضاه وثوابه. والأوصال: جمع وصل وهو العضو. والشلو (بكسر الشين المعجمة وسكون اللام):

الجسد. وممزع: مقطع.

(٤) أحصهم: أهلكهم بحيث لا تبقى من عددهم أحدا. وخذهم بددا: قال ابن الأثير: يروي بكسر الباء، جمع بدّة وهي الحصة والنصيب، أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته ونصيبه، ويروى بالفتح من التبديد أي متفرّقين في القتل واحدا بعد واحد.

(٥) أبو سروعة (بكسر السين المهملة وفتحها، كما في شرح القسطلاني على «صحيح البخاري» ج ٦ ص ٣٧٦ طبع بلاق): كنية عقبة بن الحارث النوفلي القرشي الصحابي، وهو الذي قتل خبيب بن عدي. وقال في «القاموس» مادّة سرع: «وأبو سروعة، ولا يكسر وقد تضم الراء، عقبة ابن الحارث الصحابي». قال شارحه: «وفي التكملة: وأصحاب الحديث يقولون: أبو سروعة بكسر السين، وقد ضبطه النووي بالوجهين، ثم قال: وبعضهم يقول: أبو سروعة مثال فروقة وركوبة، والصواب ما عليه أهل اللغة».

(٦) كذا في الطبري (قسم أوّل ص ١٤٣٦ طبع أوروبا). وانتبذ: تنحى. وفي ح، م: «فاستدرت». وفي سائر الأصول: «فاشتددت».

(٧) الزيادة عن الطبري (قسم أوّل ص ١٤٣٧).