كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الأحوص وأخباره ونسبه

صفحة 418 - الجزء 4

  لمّا جاء ابن حزم عمله من قبل سليمان بن عبد الملك على المدينة والحجّ، جاءه ابن أبي جهم بن⁣(⁣١) حذيفة وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وسراقة، فدخلوا عليه / فقالوا له: إيه يا ابن حزم! ما الذي جاء بك؟ قال:

  استعملني واللَّه أمير المؤمنين على المدينة على رغم أنف من رغم أنفه. فقال له ابن أبي جهم: يا ابن حزم، فإنّي أوّل من يرغم من ذلك أنفه. قال فقال ابن حزم: صادق، واللَّه يحبّ الصّادقين. فقال الأحوص:

  سليمان إذ ولَّاك ربّك حكمنا ... وسلطاننا فاحكم إذا قلت واعدل

  يؤمّ حجيج المسلمين ابن فرتني ... فهب ذاك حجّا ليس بالمتقبّل

  فقال ابن أبي عتيق⁣(⁣٢) للأحوص: الحمد للَّه يا أحوص، إذ لم أحجّ ذلك العام بنعمة ربّي وشكره. قال:

  الحمد للَّه الذي صرف ذلك عنك يا بن أبي بكر الصّدّيق، فلم يضلل دينك، ولم تعنّ⁣(⁣٣) نفسك، وتر ما يغيظك ويغيظ المسلمين معك.

  وفد على الوليد وتعرّض للخبازين فأمر عامل المدينة بجلده:

  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن عمّه موسى بن عبد العزيز قال:

  وفد الأحوص على الوليد بن عبد الملك وامتدحه، فأنزله منزلا، وأمر بمطبخه أن يمال عليه؛ ونزل على الوليد بن عبد الملك شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي، فكان الأحوص يراود وصفاء للوليد خبّازين عن⁣(⁣٤) أنفسهم ويريدهم أن يفعلوا به. وكان شعيب قد غضب على مولى له ونحاه. فلمّا خاف الأحوص أن يفتضح بمراودته الغلمان، اندسّ لمولى شعيب ذلك فقال: ادخل على أمير المؤمنين فاذكر له أنّ شعيبا أرادك عن نفسك، ففعل المولى. فالتفت الوليد إلى شعيب / فقال: ما يقول هذا؟ فقال: لكلامه غور⁣(⁣٥) يا أمير المؤمنين، فاشدد به يدك يصدقك. فشدد عليه، فقال: أمرني بذلك الأحوص. فقال قيّم الخبّازين: أصلحك اللَّه! إنّ الأحوص يراود الخبّازين عن أنفسهم. فأرسل به الوليد إلى ابن حزم بالمدينة، وأمره أن يجلده مائة، ويصبّ على رأسه زيتا، ويقيمه على البلس⁣(⁣٦)؛ ففعل ذلك به. فقال وهو على البلس أبياته التي يقول فيها:

  ما من مصيبة نكبة أمنى⁣(⁣٧) بها ... إلَّا تشرّفني وترفع⁣(⁣٨) شأني


(١) كذا في ط، ء، وهو الموافق لما في «تاريخ الطبري»، وهو أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي، كما في «تهذيب التهذيب». وفي ب، س، ح: «ابن أبي جهم حذيفة» بدون ذكر «ابن» وهو خطأ. وفي م: «ابن خذيفة» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.

(٢) أبو عتيق: لقب محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر.

(٣) كذا في ح، م. وعنّى نفسه وأعناها: أنصبها وكلفها ما يشق عليها. وفي سائر الأصول: «وتغر نفسك».

(٤) في جميع الأصول: «على أنفسهم».

(٥) أي في كلامه معنى خفيّ غير واضح.

(٦) البلس (بضمتين): جمع بلاس كسحاب، وهي غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين ويشهر عليها من ينكل به ويناذي عليه. ومن دعائهم: «أرانيك اللَّه على البلس».

(٧) في ط، ء: «أعيا». وفي «ديوان الحماسة»:

ما تعتريني من خطوب ملمة ... إلا تشرفني وتعظم شاني

وأوّل الأبيات فيه:

إني على ما قد علمت محسّد ... أنمى على البغضاء والشنآن

(٨) في ط، ء: «وتعظم».