ذكر طريح وأخباره ونسبه
  قال ابن الكلبيّ وأخبرني أبي عن أبي صالح(١) عن ابن عبّاس قال:
  كان ثقيف والنّخع من إياد؛ فثقيف قسيّ بن منبّه بن النّبيت بن / يقدم بن أقصى بن دعميّ بن إياد. والنّخع(٢) ابن عمرو بن الطمنان بن عبد مناة بن يقدم بن أقصى، فخرجا ومعهما عنز لهما لبون يشربان لبنها، فعرض لهما مصدّق(٣) لملك اليمن فأراد أخذها؛ فقالا له: إنّما نعيش بدرّها؛ فأبى أن يدعها؛ فرماه أحدهما فقتله. ثم قال لصاحبه: إنّه لا يحملني وإيّاك أرض فأمّا النّخع فمضى إلى بيشة(٤) فأقام بها / ونزل القسيّ موضعا قريبا من الطائف؛ فرأى جارية ترعى غنما لعامر بن الظَّرب العدوانيّ، فطمع فيها، وقال: أقتل الجارية ثم أحوي الغنم.
  فأنكرت الجارية منظره، فقالت له: إني أراك تريد قتلي وأخذ الغنم، وهذا شيء إن فعلته قتلت وأخذت الغنم منك، وأظنّك غريبا جائعا؛ فدلَّته على مولاها. فأتاه واستجار به فزوّجه بنته، وأقام بالطائف. فقيل: للَّه درّه ما أثقفه حين ثقف عامرا فأجاره. وكان قد مرّ بيهوديّة بوادي(٥) القرى حين قتل المصدّق، فأعطته قضبان كرم فغرسها بالطائف فأطعمته ونفعته.
  قال ابن الكلبيّ في خبر طويل ذكره: كان قسيّ مقيما باليمن، فضاق عليه موضعه ونبا به، فأتى الطائف - وهو يومئذ منازل فهم وعدوان ابني عمرو بن قيس بن عيلان - فانتهى إلى الظَّرب العدوانيّ، وهو أبو عامر بن الظَّرب، فوجده نائما تحت شجرة، فأيقظه وقال: من أنت؟ قال: أنا الظَّرب. قال: عليّ أليّة إن لم أقتلك أو تحالفني(٦) وتزوّجني ابنتك، ففعل. وانصرف الظَّرب وقسيّ معه، فلقيه ابنه عامر بن الظَّرب فقال: من هذا معك يا أبت؟ فقصّ قصّته. قال عامر: للَّه أبوه! لقد ثقف أمره؛ فسمّي يومئذ ثقيفا. قال: وعيّر الظَّرب تزويجه(٧) قسيّا، وقيل: زوّجت عبدا. فسار إلى الكهّان يسألهم، فانتهى إلى شقّ / ابن صعب(٨) البجليّ وكان أقربهم منه. فلمّا انتهى إليه قال: إنّا قد جئناك في أمر فما هو؟ قال: جئتم في قسيّ، وقسيّ عبد إياد، أبق ليلة الواد(٩)، في وجّ(١٠) ذات الأنداد، فوالى سعدا ليفاد(١١)، ثم لوى بغير معاد. (يعني سعد بن قيس بن عيلان بن مضر). قال: ثم توجّه إلى سطيح الذّئبيّ (حيّ
(١) هو أبو صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب ويقال له باذان أو باذام، وهو الذي يروي عنه ابن الكلبي ويروي هو عن ابن عباس.
(راجع «تهذيب التهذيب»).
(٢) في «صبح الأعشى» (ج ١ ص ٣٢٧) «وأنساب السمعاني» في الكلام على النخع: «النخع واسمه جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج». وفي كتاب «الاشتقاق» لابن دريد: «فمن بني علة النخع قبيلة وأخوه جسر». وفي كتاب «المعارف» لابن قتيبة: «فولد علة عمرا، فولد عمرو جسرا وكعبا. فأما جسر فهو أبو النخع بن جسر بن عمرو».
(٣) المصدق: عامل الزكاة الذي يأخذها من أربابها.
(٤) بيشة: قرية باليمن.
(٥) وادي القرى: واد بين المدينة والشام كثير القرى، فتحه النبيّ ﷺ عنوة سنة سبع من الهجرة، ثم صالح أهله على الجزية.
(٦) كذا في م. وفيء، ط: «أو تحالفني لتزوّجني». وفي سائر النسخ: «أو تحلف لي لتزوّجني».
(٧) كذا فيء، ط. وفي سائر النسخ: «بتزويجه». قال في «المصباح»: «وعيرته كذا وعيرته به: قبحته عليه ونسبته إليه، يتعدّى بنفسه وبالباء؛ قال المرزوقي في» شرح الحماسة «:» والمختار أن يتعدّى بنفسه؛ قال الشاعر:
أعيّرتنا ألبانها ولحومها ... وذلك عار يا بن ريطة ظاهر «
(٨) كذا فيء، ط، وهو الموافق لما في الطبري (قسم ١ ص ٩١١ - ٩١٤). وفي سائر الأصول: «مصعب» وهو تحريف.
(٩) في جميع الأصول: «الوادي» والوادي يكون في الوقف بالياء وبدونها؛ وقد حذفنا هاهنا للسجع؛ لأن السجع وقف. على أنه قد يكتفي في «الوادي» بالكسرة عن الياء. (راجع الحاشية رقم ٧ ص ٢١٥ من هذا الجزء).
(١٠) وجّ: اسم واد بالطائف.
(١١) ليفاد: ليطلق. وأصله ليفادي من المفاداة، حذف منه الحرف الأخير لالتزام السجع.