كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر طريح وأخباره ونسبه

صفحة 468 - الجزء 4

  في الشراب. قال: ليس لذلك أعطيتك، إنّما دفعته إليك لتناوله الغلام، وغضب. فرفع القوم أيديهم كأنّ صاعقة نزلت⁣(⁣١) على الخوان؛ فذهبت أقوم، فقال: اقعد. فلمّا خلا البيت افترى عليّ، ثم قال: يا عاضّ كذا وكذا! أردت أن تفضحني، ولولا أنّك خالي لضربتك ألف سوط! ثم نهى الحاجب عن إدخالي، وقطع عني أرزاقي. فمكثت ما شاء اللَّه. ثم دخلت عليه يوما متنكرا، فلم يشعر إلَّا وأنا بين يديه وأنا أقول:

  يا بن الخلائف ما لي بعد تقربة ... إليك أقصى وفي حاليك لي عجب

  ما لي أذاد⁣(⁣٢) وأقصى⁣(⁣٣) حين أقصدكم ... كما توقّي من ذي العرّة⁣(⁣٤) الجرب

  كأنّني لم يكن بيني وبينكم ... إلّ⁣(⁣٥) ولا خلَّة ترعى ولا نسب

  لو كان بالودّ يدنى منك أزلفني ... بقربك الود والإشفاق والحدب

  وكنت دون رجال قد جعلتهم ... دوني إذ ما رأوني مقبلا قطبوا⁣(⁣٦)

  / إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا

  رأوا صدودك عنّي في اللَّقاء فقد ... تحدّثوا أنّ حبلى منك منقضب /

  فذو الشّماتة مسرور بهيضتنا ... وذو النّصيحة والإشفاق مكتئب

  قال: فتبسّم وأمرني بالجلوس فجلست. ورجع إليّ وقال: إيّاك أن تعاود. وتمام هذه القصيدة:

  أين الذّمامة والحقّ الذي نزلت ... بحفظه وبتعظيم له الكتب

  وحوكي الشّعر أصفيه وأنظمه ... نظم القلائد فيها الدّرّ والذهب

  وإنّ سخطك شيء لم أناج به ... نفسي ولم يك مما كنت أكتسب

  لكن أتاك بقول كاذب أثم ... قوم بغوني فنالوا فيّ ما طلبوا

  وما عهدتك فيما زلّ تقطع ذا ... قربى ولا تدفع الحقّ الذي يجب

  ولا توجّع من حقّ تحمّله ... ولا تتبّع بالتكدير ما تهب

  فقد تقرّبت جهدا من رضاك بما ... كانت تنال به من مثلك القرب

  فغير دفعك حقّي وارتفاضك لي ... وطيّك الكشح عنّي كنت أحتسب

  أمشمت بي أقواما صدورهم ... عليّ فيك إلى الأذقان تلتهب

  قد كنت أحسب أنّي قد لجأت إلى ... حرز وألَّا يضرّوني وإن ألبوا⁣(⁣٧)


(١) فيء، ط، م: «كأن صاعقة وقعت عليهم».

(٢) أذاذ: أمنع وأدفع.

(٣) كذا في م. وفيء، ط: «وأرمي». وفي سائر النسخ: وأنهي.

(٤) العرّة: الحرب.

(٥) إلّ: عهد. وخلة: الصداقة.

(٦) قطبوا: عبسوا وغضبوا.

(٧) ألبوا: تجمعوا.