ذكر طريح وأخباره ونسبه
  ويئست منك فكلّ عسر باسط ... كفّا إليّ وكلّ يسر أقطع(١)
  من بعد أخذي من حبالك بالَّذي ... قد كنت أحسب أنّه لا يقطع
  فاربب(٢) صنيعك بي فإنّ بأعين ... للكاشحين وسمعهم(٣) ما تصنع
  أدفعتني حتى انقطعت وسدّدت ... عني الوجوه ولم يكن لي مدفع
  ورجيت واتّقيت يداي وقيل قد ... أمسى يضرّ إذا أحبّ وينفع
  ودخلت في حرم الذّمام وحاطني ... خفر أخذت به وعهد مولع
  أفهادم ما قد بنيت وخافض ... شرفي وأنت لغير ذلك أوسع
  أفلا خشيت شمات قوم فتّهم ... سبقا وأنفسهم عليك تقطَّع
  وفضلت في الحسب الأشمّ عليهم ... وصنعت في الأقوام ما لم يصنعوا(٤)
  فكأنّ آنفهم بكلّ صنيعة ... أسديتها وجميل فعل(٥) تجدع
  ودّوا لو أنّهم ينال أكفّهم ... شلل وأنكّ عن صنيعك تنزع
  أو تستليم(٦) فيجعلونك أسوة ... وأبى الملام لك النّدى والموضع
  قال: فقرّبه وأدناه، وضحك إليه، وعاد له إلى ما كان عليه.
  عاتبه المنصور في شعر مدح به الوليد فأحسن الاعتذار:
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن شبيب قال حدّثنا محمد بن عبد اللَّه بن حمزة بن عتبة اللَّهبيّ عن أبيه:
  أنّ طريحا دخل على أبي جعفر المنصور وهو في الشّعراء؛ فقال له: لا حيّاك اللَّه ولا بيّاك! أما اتّقيت اللَّه - ويلك! - حيث تقول للوليد بن يزيد:
  /
  لو قلت للسيل دع طريقك وال ... موج عليه كالهضب يعتلج
  لساخ وارتدّ(٧) أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
  فقال له طريح: قد علم اللَّه ø أنّي قلت ذاك ويد ممدودة إليه ø، وإيّاه تبارك وتعالى عنيت. فقال المنصور: يا ربيع، أما ترى هذا التخلَّص!
(١) أقطع: مقطوع اليد.
(٢) اربب صنيعك: زده.
(٣) كذا في م. وفي سائر النسخ: «وسمعها».
(٤) في م: «ما لا يصنع».
(٥) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «وجميل فعلك».
(٦) تستليم: تفعل ما تستحق عليه اللوم؛ فكأنك تطلب إلى الناس أن يلوموك.
(٧) في هامش ط كتبت هذه العبارة: «الصحيح: لارتد أو ساخ أو لكان له». وهي أيضا رواية «اللسان» (مادة ولج).