ذكر طريح وأخباره ونسبه
  أدخل على الوليد فمدحه فطرب وأجازه:
  نسخت من كتاب أحمد بن الحارث مما أجاز لي أبو أحمد الجريريّ(١) روايته عنه: حدّثنا المدائنيّ:
  أنّ الوليد جلس يوما في مجلس له عامّ، ودخل إليه أهل بيته ومواليه والشعراء وأصحاب الحوائج فقضاها، وكان أشرف يوم رئى له؛ فقام بعض الشعراء فأنشد، ثم وثب طريح، وهو عن يسار الوليد، وكان أهل بيته عن يمينه، وأخواله عن شماله وهو فيهم، فأنشده:
  صوت
  أنت ابن(٢) مسلنطح البطاح ولم ... تطرق(٣) عليك الحنيّ والولج
  طوبى لفرعيك(٤) من هنا وهنا ... طوبى لأعراقك التي تشج(٥)
  / لو قلت للسيل دع طريقك وال ... موج عليه كالهضب يعتلج(٦)
  لساخ وارتدّ أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
  ولاؤه، وكان مغنيا وشاعرا:
  فطرب الوليد بن يزيد حتّى رئى الارتياح فيه، وأمر له بخمسين ألف درهم، وقال: ما أرى أحدا منكم يجيئني اليوم بمثل ما قال خالي، فلا ينشدني أحد بعده شيئا؛ وأمر لسائر الشعراء بصلات وانصرفوا، واحتبس طريحا عنده، وأمر ابن عائشة فغنّى في هذا الشعر.
  نسبة هذا الصوت
  أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... تطرق عليك الحنيّ والولج
  الأبيات الأربعة. عروضه عن المنسرح. غنّاه ابن عائشة، ولحنه رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق.
  طلب إليه المهدي أن يغنيه صوتا له فغناه غيره واعتذر عنه:
  المسلنطح من البطاح: ما اتّسع واستوى سطحه منها. وتطرق عليك: تطبق عليك وتغطَّيك وتضيّق مكانك؛
(١) كذا في ح، وهو الموافق لما في «الأنساب» للسمعاني (ص ١٢٩). وفي سائر الأصول: «الحريري» بالحاء المهملة.
(٢) سيشرح أبو الفرج بعد قليل هذا الشعر.
(٣) في كتاب «الشعر والشعراء» «واللسان» (مادتي ولج وسلطح): «تعطف» وقال في «اللسان» (مادة طرق): «وأطرق جناح الطائر: لبس الريش الأعلى الريش الأسفل، وأطرق عليه الليل ركب بعضه بعضا. وقوله:
ولم تطرق عليك الحنيّ والولج
أي لم يوضع بعضه على بعض فتراكب. وتفسير صاحب» اللسان «هذا هو الذي يتفق مع معنى كلمات البيت. ومنه يعلم ما في تفسير أبي الفرج لهذه الكلمة من بعد.
(٤) فيء، ط: «طيبا لفرعيك ... طيبا لأعراقك».
(٥) تشج: تشتبك وتلتف.
(٦) يعتلج: يلتطم.