ذكر طريح وأخباره ونسبه
  يدخلوا نهارا لئلا يعرفوا، وكان إذ ذاك / يتستّر في أمره ولا يظهره. فسبقهم ابن عائشة فدخل نهارا وشهر أمره، فحبسه الوليد وأمر به فقيّد، وأذن للمغنّين وفيهم معبد، فدخلوا عليه دخلات. ثم إنّه جمعهم ليلة فغنّوا له حتى طرب وطابت نفسه. فلمّا رأى ذلك منه معبد قال لهم: أخوكم ابن عائشة فيما قد علمتم، فاطلبوا فيه. ثم قال:
  يا أمير المؤمنين، كيف ترى مجلسنا هذا؟ قال: حسنا لذيذا. قال: فكيف لو رأيت ابن عائشة وسمعت ما عنده! قال: فعليّ به. فطلع ابن عائشة يرسف في قيده. فلمّا نظر إليه الوليد، اندفع ابن عائشة فغنّاه في شعر طريح، والصنعة فيه له:
  أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... تطرق عليك الحنيّ والولج
  فصاح الوليد(١): اكسروا قيده وفكَّوا عنه؛ فلم يزل عنده أثيرا مكرما.
  غنى مسلمة بن محمد بن هشام من شعره فتذكر قومه:
  أخبرني الحسن بن عليّ(٢) قال حدّثنا ابن أبي سعد عن الحزاميّ عن عثمان بن حفص عن إبراهيم بن عبد السّلام بن أبي الحارث الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة:
  يا أبا الحارث قلبي طائر ... فأتمر(٣) أمر رشيد مؤتمن
  قال: واللَّه إنّي لقاعد مع مسلمة بن محمد بن هشام إذ مرّ به ابن جوان بن عمر بن أبي ربيعة، وكان يغنّي؛ فقال له: اجلس يا بن أخي غنّنا. فجلس فغنّى:
  أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... تطرق عليك الحنيّ والولج
  / فقال له: يا بن أخي، ما أنت وهذا حين تغنّاه، ولا حظَّ لك فيه! هذا قاله طريح فينا:
  إذ النّاس ناس والزّمان زمان
  ومما في المائة الصوت المختارة من الأغاني من أشعار طريح بن إسماعيل التي مدح بها الوليد بن يزيد:
  صوت من المائة المختارة
  ويحي غدا إن غدا عليّ بما ... أحذر من لوعة الفراق غد
  وكيف صبري وقد تجاوب بال ... فرقة منها الغراب والصّرد(٤)
  الشعر لطريح بن إسماعيل. والغناء لابن مشعب الطائفيّ، ولحنه المختار من الرّمل بالوسطى.
(١) كذا فيء، م، ط. وفي سائر النسخ: «فصاح به الوليد».
(٢) كذا في ط، م، ء. وفي سائر النسخ: «الحسين بن يحيى». والمعروف أن الحسن بن عليّ يروي عن عبد اللَّه بن أبي سعد (انظر ص ٦٨ ج ٢ من هذا الكتاب).
(٣) كذا في ط، م، ء وفيما تقدم في الجزء الأوّل (ص ١١٤ من هذه الطبعة). وفي سائر الأصول هنا: «فاستمع».
(٤) الصرد (بضم ففتح): طائر أبقع أبيض البطن أخضر الظهر ضخم الرأس والمنقار له مخلب يصطاد العصافير وصغار الطير، جمعه صردان، ويكنى بأبي كثير، ويسمى الأخطب لخضرة ظهره، والأخيل لاختلاف لونه. وهو مما يتشاءم به من الطير؛ قال الشاعر:
فما طائري يوما عليك بأخيلا