ذكر من قتل أبو العباس السفاح من بني أمية
  خوفهم أظهر التّودّد منهم ... وبهم منكم كحزّ المواسي
  أقصهم أيّها الخليفة واحسم ... عنك بالسّيف شأفة الأرجاس
  واذكرن(١) مصرع الحسين وزيد(٢) ... وقتيل(٣) بجانب المهراس(٤)
  والإمام(٥) الذي بحرّان أمسى ... رهن قبر في غربة وتناسي
  فلقد ساءني وساء سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي
  نعم كلب(٦) الهراش مولاك لولا ... أود(٧) من حبائل الإفلاس
  / فتغيّر لون أبي العبّاس وأخذه زمع(٨) ورعدة؛ فالتفت بعض ولد سليمان بن عبد الملك إلى رجل منهم، وكان إلى جنبه، فقال: قتلنا واللَّه العبد. ثم أقبل أبو العبّاس عليهم فقال: يا بني الفواعل، أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا وأنتم أحياء تتلذّذون في الدنيا! خذوهم! فأخذتهم الخراسانيّة بالكافر(٩) كوبات، فأهمدوا، إلَّا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فإنّه استجار بداود بن عليّ وقال له: إنّ أبي لم يكن كآبائهم وقد علمت صنيعته إليكم؛ فأجاره واستوهبه من السفّاح، وقال له: قد علمت يا أمير المؤمنين صنيع أبيه إلينا. فوهبه له وقال له: لا تريني وجهه، وليكن بحيث تأمنه؛ وكتب إلى عمّاله في النواحي بقتل بني أميّة.
  سبب قتل السفاح لبني أمية وتشفيه فيهم:
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار عن عمّه:
  أنّ سبب قتل بني أمية: أنّ السفاح أنشد قصيدة مدح بها، فأقبل على بعضهم فقال: أين هذا مما مدحتم به! فقال: هيهات! لا يقول واللَّه أحد فيكم مثل قول ابن قيس الرّقيّات فينا:
  ما نقموا من بني أميّة إلَّا أنّهم يحلمون إن غضبوا
  وأنّهم معدن الملوك ولا ... تصلح إلَّا عليهم العرب
  فقال له: يا ماصّ كذا من أمّه! أو إنّ الخلافة لفي نفسك بعد! خذوهم! فأخذوا فقتلوا.
(١) في «الكامل»: «واذكروا».
(٢) هو زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قتل في أيام هشام بن عبد الملك.
(٣) كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «وقتيلا». ويعني به حمزة بن عبد المطلب، قتله يوم أحد وحشيّ غلام جبير بن مطعم.
(٤) المهراس فيما ذكر المبرد: ماء بأحد؛ روي أن النبيّ ﷺ عطش يوم أحد فجاءه عليّ في درقة بماء من المهراس، فعافه وغسل به الدم عن وجهه. قال المبرد في «الكامل»: وإنما نسب شبل قتل حمزة إلى بني أمية لأن أبا سفيان بن حرب كان قائد الناس يوم أحد.
(٥) الإمام الذي بحرّان: هو إبراهيم الإمام رأس الدعوة العباسية، وقد قتله مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية صبرا.
(٦) في «الكامل» «والعقد الفريد»:
نعم شبل الهراش مولاك شبل ... لو نجا من حبائل الإفلاس
(٧) الأود هنا: الكد والتعب والجهد.
(٨) الزمع: شبه الرعدة تأخذ الإنسان.
(٩) في ح: «بالكفر كربات». ولعله اسم أعجميّ لآلات يضرب بها كالعمد وغيرها.