كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه

صفحة 513 - الجزء 4

  ولقد حفيت⁣(⁣١) صبيت عكَّة⁣(⁣٢) بيتنا ... ذوبا⁣(⁣٣) ومزت بصفوه عنك القذى

  فخذ الغنيمة واغتنمني إنّني ... غنم لمثلك والمكارم تشترى

  لا ترمينّ بحاجتي وقضائها ... ضرح⁣(⁣٤) الحجاب كما رمى بي من رمى

  فركب إلى جعفر بن سليمان نصف النّهار؛ فقال: ما نزعك⁣(⁣٥) يا أبا عبد اللَّه في هذا الوقت؟ قال: حاجة لم أر فيها أحدا أكفى منّي. قال: وما هي؟ قال: قد مدحني ابن هرمة بهذه الأبيات، فأردت من أرزاقي مائة دينار. قال:

  ومن عندي مثلها / قال: ومن الأمير أيضا! قال: فجاءت المائتا الدينار إلى ابن هرمة، فما أنفق منها إلَّا دينارا واحدا حتّى مات، وورث الباقي أهله.

  امتدح أبا جعفر فلما أجازه لم يرض وطلب أن يحتال له في إباحة الشراب:

  وقال أحمد بن أبي خيثمة عن أبي الحسن المدائنيّ قال:

  امتدح ابن هرمة أبا جعفر فوصله بعشرة آلاف درهم. فقال: لا تقع منّي هذه. قال: ويحك! إنّها كثيرة. قال:

  إن أرادت أن تهنئني فأبح لي الشراب فإنّي مغرم به. فقال: ويحك! هذا حدّ من حدود اللَّه. قال: احتل لي يا أمير المؤمنين. قال نعم. فكتب إلى والي المدينة: من أتاك بابن هرمة سكران فاضربه مائة واضرب ابن هرمة ثمانين.

  قال: فجعل الجلواز⁣(⁣٦) إذا مرّ بابن هرمة سكران، قال: من يشتري الثمانين بالمائة!

  امتدح الحسن بن زيد فأجازه وعرض بعبد اللَّه بن حسن وأخويه لأنهم وعدوه وأخلفوه:

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو سلمة الغفاريّ قال أخبرنا ابن ربيح راوية ابن هرمة قال:

  أصابت ابن هرمة أزمة؛ فقال لي في يوم حارّ: اذهب فتكار حمارين إلى ستّة أميال، ولم يسمّ موضعا. فركب واحدا وركبت واحدا، ثم سرنا حتى صرنا إلى قصور الحسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده. فلمّا مالت الشمس خرج علينا مشتملا على⁣(⁣٧) قميصه، فقال لمولى له: أذّن فأذّن، ولم يكلَّمنا كلمة. ثم قال له: أقم فأقام، فصلَّى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحبا بك يا أبا إسحاق، حاجتك؟ قال: نعم، بأبي أنت وأمي، أبيات قلتها - وقد كان عبد اللَّه وحسن وإبراهيم بنو حسن بن حسن وعدوه شيئا فأخلفوه - فقال: هاتها. فقال:


(١) حفيت: أعطيت. وفي م: «خفيت» بالخاء المعجمة وهو تصحيف وفي ب، ط، ء، س: «جفيت» بالجيم وهو تصحيف أيضا. وفي ح: «خبيت» ولعلها مصحفة عن «حبيت» وهي «كحفيت» وزنا ومعنى. والذي ظهر لنا في معنى البيت أنه يريد: لقد منحت خير ما نملك وهو ما في عكتنا من عسل مصفى، يكنى بذلك عن مديحه الحسن.

(٢) العكة: زقيق صغير للسمن والعسل. وفي الحديث: أن رجلا كان يهدي للنبيّ العكة من السمن والعسل. قال ابن الأثير في «النهاية»: «وهي وعاء من جلود مستدير، يختص بهما وهو بالسمن أخص».

(٣) الذوب: العسل.

(٤) كذا فيء، ط. والضرح: أن يؤخذ شيء فيرمي به في ناحية. وفي ب، س: «ضوح» بالواو. وفي م: «صرح» بالصاد وكلاهما تحريف.

(٥) ما نزعك يريد: ما حركك من مكانك وما جاء بك.

(٦) الجلواز: الشرطيّ؛ سمى بذلك لسرعته وخفته في ذهابه ومجيئه بين يدي الأمير.

(٧) كذا في جميع النسخ. وهذا الفعل إنما يتعدى بالباء.