ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه
  على زربيّة(١) في ممرّ المنبر، ولم تكن تبسط لأحد غيره في ذلك المكان. فلمّا رأى عبد اللَّه تضاءل وتقنفذ وتصاغر وأسرع المشي. فكأنّ عبد اللَّه رقّ له، فأمر به فردّ عليه، فقال: يا فاسق، يا شارب الخمر، على هن وهن! أتفضّل الحسن عليّ وعلى أخويّ! فقال: بأبي أنت وأمّي! وربّ هذا القبر ما عنيت إلَّا فرعون وهامان وقارون، أفتغضب لهم! فضحك وقال: واللَّه ما أحسبك إلَّا كاذبا. قال: واللَّه ما كذبتك. فأمر بأن تردّ عليه جرايته.
  قصيدة له خالية من الحروف المعجمة:
  أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال أخبرني أبو أيّوب المدينيّ عن مصعب قال:
  إنّما اعتذر ابن هرمة بهذا إلى محمد بن عبد اللَّه بن حسن.
  قال يحيى: وأخبرني أبو أيّوب عن عليّ بن صالح قال:
  / أنشدني عامر بن صالح قصيدة لابن هرمة نحوا من أربعين بيتا، ليس فيها حرف يعجم؛ وذكر هذه الأبيات منها. ولم أجد هذه القصيدة في شعر ابن هرمة، ولا كنت أظنّ أن أحدا تقدّم رزينا العروضيّ إلى هذا الباب.
  وأوّلها:
  أرسم سودة أمسى دارس الطَّلل ... معطَّلا ردّه الأحوال كالحلل
  هكذا ذكر يحيى بن عليّ في خبره أنّ القصيدة نحو من أربعين بيتا؛ ووجدتها في رواية الأصمعيّ ويعقوب بن السّكَّيت اثني عشر بيتا، فنسختها هاهنا للحاجة إلى ذلك. وليس فيها حرف يعجم إلَّا ما اصطلح عليه الكتّاب من تصبيرهم مكان ألف ياء مثل «أعلى» فإنّها في اللفظ بالألف وهي تكتب بالياء، ومثل «رأى» ونحو هذا، وهو في التحقيق في اللفظ بالألف، وإنما اصطلح الكتّاب على كتابته بالياء كما ذكرناه. والقصيدة:
  أرسم سودة محل دارس الطَّلل ... معطَّل ردّه الأحوال كالحلل
  لمّا رأى أهلها سدّوا مطالعها ... رام الصّدود وعاد الودّ كالمهل(٢)
  وعاد ودّك داء لا دواء له ... ولو دعاك طوال الدّهر للرّحل
  / ما وصل سودة إلَّا وصل صارمة ... أحلها(٣) الدهر دارا مأكل الوعل(٤)
  وعاد أمواهها سدما(٥) وطار لها ... سهم دعا أهلها للصّرم والعلل
(١) الزربية (بفتح فسكون): البساط والنمرقة، وقيل: هي كل ما بسط واتكئ عليه، والجمع زرابيّ.
(٢) كذا في أكثر الأصول. والمهل: ما ذاب من صفر أو حديد؛ وبه فسر قوله تعالى: {وإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوه َ بِئْسَ الشَّرابُ وساءَتْ مُرْتَفَقاً}. وحركت هاؤه للضرورة. ولعله يريد أنه لما حيل بينه وبينها عانى من ودّه لها ما يعانيه متجرّع هذا الشراب. وفي ح:
رام الصدود وعاد الودّ كالعمل
(٣) فيء، ط، م:
أحلها الودّ دهرا معقل الوعل
وهذا لا يتفق والإهمال المراد في هذه القصيدة.
(٤) الوعل: تيس الجبل. يريد بذلك استعصاءها ومنعتها.
(٥) سدما: متغيرة من طول المكث.