ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه
  إنّي امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله ... كفّاي لكن لساني صائغ الكلم
  إنّ الأديم الذي أمسيت تقرظه ... جهلا لذو نغل باد وذو حلم(١)
  ولا يئطَّ(٢) بأيدي الخالقين ولا ... أيدي الخوالق إلَّا جيّد الأدم
  عاتب عبد اللَّه بن مصعب في تفضيله ابن أذينة عليه:
  قال يحيى وحدّثني أبو أيّوب عن مصعب بن عبد اللَّه عن أبيه قال:
  لقيني ابن هرمة فقال لي: يا بن مصعب، أتفضّل عليّ ابن أذينة! أما شكرت قولي:
  فما لك مختلَّا عليك خصاصة ... كأنّك لم تنبت ببعض المنابت
  كأنّك لم تصحب شعيب بن جعفر ... ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت
  - يعني مصعب بن عبد اللَّه - قال: فقلت: يا أبا إسحاق، أقلني وروّني من شعرك ما شئت؛ فإنّي لم أرو لك شيئا. فروّاني عبّاسيّاته(٣) تلك.
  ثناؤه على إبراهيم بن عبد اللَّه وإبراهيم بن طلحة لإكرامهما له وشعره في الأوّل:
  قال يحيى: وأخبرني أبو أيّوب المدينيّ عن مصعب بن عبد اللَّه عن مصعب بن عثمان قال:
  / قال ابن هرمة: ما رأيت أحدا قطَّ أسخى ولا أكرم من رجلين: إبراهيم بن عبد اللَّه بن مطيع، وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد اللَّه بن معمر. أمّا إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال: أحسنوا ضيافة أبي إسحاق، فأتيت بكلّ شيء من الطعام، فأردت أن أنشده؛ فقال: ليس هذا وقت الشعر. ثم أخرج الغلام إليّ رقعة فقال: ائت بها الوكيل. فأتيته بها، فقال: إن شئت أخذت لك جميع ما كتب به، وإن شئت أعطيتك القيمة. قلت: وما أمر لي به؟ فقال: مائتا شاة برعائها وأربعة أجمال وغلام جمّال ومظلَّة وما تحتاج إليه، وقوتك وقوت عيالك سنة. قلت: فأعطني القيمة؛ فأعطاني مائتي دينار. وأمّا إبراهيم / بن عبد اللَّه فأتيته في منزله بمشاش(٤) على بئر ابن(٥) الوليد بن عثمان بن عفّان؛ فدخل إلى منزله ثم خرج إليّ برزمة من ثياب وصرّة من دراهم ودنانير وحليّ، ثم قال: لا واللَّه ما بقّينا في منزلنا ثوبا إلَّا ثوبا نواري به امرأة، ولا حليا ولا دينارا ولا درهما. وقال يمدح إبراهيم:
  أرّقتني تلومني أمّ بكر ... بعد هدء واللَّوم قد يؤذيني
  حذّرتني الزمان ثمّت قالت ... ليس هذا الزمان بالمأمون
(١) الأديم: الجلد. ويقرظه: يدبغه بالقرظ لإصلاحه. والنغل (بالتحريك): الفساد. والحلم (بالتحريك): فساد في الجلد، سببه أنه يقع فيه دود فيتثقب.
(٢) يثط: يصوّت. والخالقون: وصف من قولهم: خلق الجلد إذا قدّره قبل قطعه.
(٣) لعله يريد قصائده التي مدح بها بني العباس.
(٤) مشاش: (بضم أوجله وشين معجمة أيضا في آخره): موضع بين دار بني سليم وبين مكة، وبينه وبين مكة نصف مرحلة. (انظر «معجم ما استعجم» للبكري في اسم مشاش ج ٢ ص ٥٦٠ طبع أوروبا).
(٥) فيء، ط: «بئر الوليد». وكان لعثمان بن عفان (¥) ابن يسمى الوليد، ولا ندري أكانت هذه البئر له أم لابنه.