كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه

صفحة 517 - الجزء 4

  إنّي امرؤ لا أصوغ الحلي تعمله ... كفّاي لكن لساني صائغ الكلم

  إنّ الأديم الذي أمسيت تقرظه ... جهلا لذو نغل باد وذو حلم⁣(⁣١)

  ولا يئطَّ⁣(⁣٢) بأيدي الخالقين ولا ... أيدي الخوالق إلَّا جيّد الأدم

  عاتب عبد اللَّه بن مصعب في تفضيله ابن أذينة عليه:

  قال يحيى وحدّثني أبو أيّوب عن مصعب بن عبد اللَّه عن أبيه قال:

  لقيني ابن هرمة فقال لي: يا بن مصعب، أتفضّل عليّ ابن أذينة! أما شكرت قولي:

  فما لك مختلَّا عليك خصاصة ... كأنّك لم تنبت ببعض المنابت

  كأنّك لم تصحب شعيب بن جعفر ... ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت

  - يعني مصعب بن عبد اللَّه - قال: فقلت: يا أبا إسحاق، أقلني وروّني من شعرك ما شئت؛ فإنّي لم أرو لك شيئا. فروّاني عبّاسيّاته⁣(⁣٣) تلك.

  ثناؤه على إبراهيم بن عبد اللَّه وإبراهيم بن طلحة لإكرامهما له وشعره في الأوّل:

  قال يحيى: وأخبرني أبو أيّوب المدينيّ عن مصعب بن عبد اللَّه عن مصعب بن عثمان قال:

  / قال ابن هرمة: ما رأيت أحدا قطَّ أسخى ولا أكرم من رجلين: إبراهيم بن عبد اللَّه بن مطيع، وإبراهيم بن طلحة بن عمرو بن عبد اللَّه بن معمر. أمّا إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال: أحسنوا ضيافة أبي إسحاق، فأتيت بكلّ شيء من الطعام، فأردت أن أنشده؛ فقال: ليس هذا وقت الشعر. ثم أخرج الغلام إليّ رقعة فقال: ائت بها الوكيل. فأتيته بها، فقال: إن شئت أخذت لك جميع ما كتب به، وإن شئت أعطيتك القيمة. قلت: وما أمر لي به؟ فقال: مائتا شاة برعائها وأربعة أجمال وغلام جمّال ومظلَّة وما تحتاج إليه، وقوتك وقوت عيالك سنة. قلت: فأعطني القيمة؛ فأعطاني مائتي دينار. وأمّا إبراهيم / بن عبد اللَّه فأتيته في منزله بمشاش⁣(⁣٤) على بئر ابن⁣(⁣٥) الوليد بن عثمان بن عفّان؛ فدخل إلى منزله ثم خرج إليّ برزمة من ثياب وصرّة من دراهم ودنانير وحليّ، ثم قال: لا واللَّه ما بقّينا في منزلنا ثوبا إلَّا ثوبا نواري به امرأة، ولا حليا ولا دينارا ولا درهما. وقال يمدح إبراهيم:

  أرّقتني تلومني أمّ بكر ... بعد هدء واللَّوم قد يؤذيني

  حذّرتني الزمان ثمّت قالت ... ليس هذا الزمان بالمأمون


(١) الأديم: الجلد. ويقرظه: يدبغه بالقرظ لإصلاحه. والنغل (بالتحريك): الفساد. والحلم (بالتحريك): فساد في الجلد، سببه أنه يقع فيه دود فيتثقب.

(٢) يثط: يصوّت. والخالقون: وصف من قولهم: خلق الجلد إذا قدّره قبل قطعه.

(٣) لعله يريد قصائده التي مدح بها بني العباس.

(٤) مشاش: (بضم أوجله وشين معجمة أيضا في آخره): موضع بين دار بني سليم وبين مكة، وبينه وبين مكة نصف مرحلة. (انظر «معجم ما استعجم» للبكري في اسم مشاش ج ٢ ص ٥٦٠ طبع أوروبا).

(٥) فيء، ط: «بئر الوليد». وكان لعثمان بن عفان (¥) ابن يسمى الوليد، ولا ندري أكانت هذه البئر له أم لابنه.