كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره

صفحة 8 - الجزء 5

  قال ابن سلَّام في رواية أبي خليفة عنه: كان الجعديّ⁣(⁣١) النابغة قديما شاعرا طويلا مفلقا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام، وكان أكبر من الذّبيانيّ؛ ويدلّ على ذلك قوله:

  ومن⁣(⁣٢) يك سائلا عنّي فإني ... من الفتيان أيام الخنان⁣(⁣٣) /

  أتت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجّتان

  فقد أبقت خطوب الدّهر منّي ... كما أبقت من السيف اليماني

  [قال⁣(⁣٤) وعمّر بعد ذلك عمرا طويلا. سئل محمد بن حبيب عن أيام الخنان ما هي؟ فقال: وقعة لهم؛ فقال قائل منهم وقد لقوا عدوّهم: خنّوهم⁣(⁣٥) بالرماح، فسمّي ذلك / العام الخنان. ويدل على أنه أقدم من النابغة الذبيانيّ أنه عمّر مع المنذر بن المحرّق قبل النعمان بن المنذر، وكان النابغة الذبيانيّ مع النعمان بن المنذر وفي عصره، ولم يكن له قدم إلا أنه مات قبل الجعديّ، ولم يدرك الإسلام. والجعديّ الذي يقول:

  تذكَّرت شيئا قد مضى لسبيله ... ومن عادة المحزون أن يتذكَّرا

  نداماي عند المنذر بن محرّق ... أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا

  كهول وفتيان كأنّ وجوههم ... دنانير ممّا شيف⁣(⁣٦) في أرض قيصرا]

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني عبد اللَّه بن محمد بن حكيم عمن كان يأخذ العلم عنه ولم يسمّ إليّ أحدا في هذا⁣(⁣٧): أن النابغة عمّر مائة وثمانين سنة، وهو القائل:

  لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا

  ثلاثة أهلبين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا⁣(⁣٨)

  وهي قصيدة طويلة، يقول فيها، وفيه غناء:

  صوت

  وكنت غلاما أقاسي الحرو ... ب يلقى المقاسون منّي مراسا

  فلمّا دنونا لجرس⁣(⁣٩) النّبا ... ح لم نعرف الحيّ إلا التماسا


(١) عبارة ابن سلام في كتابه «طبقات الشعراء» (ص ٢٦): «وكان النابغة شاعرا قديما مفلقا في الجاهلية والإسلام وكان ... إلخ».

(٢) ورد هذا الشطر في كتاب «الشعر والشعراء» (ص ١٦٢) «وشرح القاموس» مادة خنن هكذا:

ومن يحرص على كبرى فاني

(٣) الخنان (كغراب): داء يأخذ الطير في حلوقها وفي العين وزكام للإبل، وزمن الخنان كان في عهد المنذر بن ماء السماء، قال الأصمعيّ: كان الخنان داء يأخذ الإبل في مناخرها وتموت منه، فصار ذلك تاريخا لهم.

(٤) هذا الخبر الموضوع بين قوسين مذكور في س، م دون سائر الأصول.

(٥) خنوهم: اقطعوهم.

(٦) كذا في «جمهرة أشعار العرب»، وشاف الدينار أو السيف: جلاه. وفي م، س المذكور فيهما هذا الخبر: «سيق» بالسين والقاف، وهو تحريف.

(٧) كذا في م. وفي باقي الأصول: «ولم يسم أحدا إلا في هذا».

(٨) المستآس: المستعاض والمستعان، من الأوس، وهو العوض والعطية.

(٩) جرس النباح: صوت نباح الكلاب.