كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره

صفحة 11 - الجزء 5

  استأذن عثمان في سكنى البادية:

  دخل النابغة الجعديّ على عثمان رضي اللَّه تعالى عنه فقال: أستودعك اللَّه يا أمير المؤمنين؛ قال: وأين تريد يا أبا ليلى؟ قال: ألحق بإبلي فأشرب من ألبانها فإني منكر لنفسي؛ فقال: أتعرّبا⁣(⁣١) بعد الهجرة يا أبا ليلى! أما علمت أن ذلك مكروه؟! قال: ما علمته، وما كنت لأخرج حتى أعلمك. قال: فأذن له، وأجّل له في ذلك أجلا؛ فدخل على الحسن والحسين ابني عليّ فودّعهما؛ فقالا له: أنشدنا من شعرك يا أبا ليلى؛ فأنشدهما:

  الحمد للَّه لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما

  فقالا: يا أبا ليلى، ما كنا نروي هذا الشعر إلا لأميّة بن أبي الصّلت؛ فقال: يا بني رسول اللَّه إني لصاحب هذا الشعر وأوّل من قاله، وإن السّروق⁣(⁣٢) لمن سرق شعر أمية.

  كان مغلبا ما هاجى قط إلا غلب:

  قال أبو زيد عمر⁣(⁣٣) بن شبّة في خبره:

  كان النابغة شاعرا متقدّما، وكان مغلَّبا ما هاجى قطَّ إلا غلب، هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيليّة وكعب بن جعيل فغلبوه جميعا.

  مهاجاته أوس بن مغراء:

  وقال أبو عمرو الشّيبانيّ: كان بدء حديث النابغة وأوس بن مغراء أنّ معاوية لما وجّه بسر بن أرطاة⁣(⁣٤) الفهريّ لقتل شيعة عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه، / قام إليه معن بن يزيد بن الأخنس السّلميّ وزياد بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة، فقالا: يا أمير المؤمنين، نسألك باللَّه وبالرحم ألَّا تجعل لبسر على قيس سلطانا، فيقتل⁣(⁣٥) قيسا بمن قتلت بنو / سليم من بني فهر وبني كنانة يوم دخل رسول اللَّه مكة؛ فقال معاوية: يا بسر لا أمر⁣(⁣٦) لك على قيس؛ وسار بسر حتى أتى المدينة، فقتل⁣(⁣٧) ابني عبيد اللَّه بن العباس، وفرّ أهل المدينة ودخلوا الحرّة (حرّة بني سليم). ثم سار بسر حتى أتى الطائف؛ فقالت له ثقيف: ما لك علينا سلطان، نحن من قيس؛ فسار حتى أتى همدان وهم في جبل لهم يقال له شبام، فتحصّنت فيه همدان، ثم نادوا: يا بسر نحن همدان وهذا شبام، فلم يلتفت إليهم؛ حتى إذا اغترّوا ونزلوا إلى قراهم، أغار عليهم فقتل وسبى نساءهم؛ فكنّ أوّل مسلمات سبين في


(١) يقال: تعرّب الرجل: صار أعرابيا بعد أن كان عربيا وفي الحديث: ثلاث من الكبائر: منها التعرّب بعد الهجرة وهو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا.

(٢) في م: «إن السروق عين السروق من ...».

(٣) في الأصول: «قال أبو زيد قال عمر ... إلخ» بزيادة «قال» وهو خطأ، إذ أبو زيد كنية عمر بن شبة. وفي م: «قال أبو زيد في خبره» دون «عمر بن شبة».

(٤) في «أسد الغابة» «وقيل: ابن أبي أرطاة» ومثله في «طبقات ابن سعد». وفي «الاستيعاب»: «بسر بن أرطاة بن أبي أرطاة» وهو أحد من بعثه عمر بن الخطاب مددا لعمرو بن العاص لفتح مصر وشهد صفين مع معاوية وكان شديدا على عليّ وأصحابه.

(٥) كذا في م. وفي باقي الأصول: «فيجعل قيسا ...» وهو تحريف.

(٦) في م: «لا إمرة على قيس ... إلخ».

(٧) في الطبري «والمعارف» لابن قتيبة أن قتلهما كان باليمن، وقد كان أبوهما واليا عليها من قبل عليّ، فلما بلغه مسير بسر فرّ إلى الكوفة، فكان من أمر ابنيه الطفلين ما ذكر.