1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره
  الإسلام. ومرّ بحيّ من بني سعد نزول بين ظهري بني جعدة بالفلج(١)، فأغار بسر على الحيّ السّعديّين فقتل منهم وأسر؛ فقال أوس بن مغراء في ذلك:
  مشرّين ترعون النّجيل وقد غدت ... بأوصال قتلاكم كلاب مزاحم
  - المشرّ: الذي قد بسط ثوبه في الشمس. والنجيل: جنس من الحمض - فقال النابغة يجيبه:
  /
  متى أكلت لحومكم كلابي ... أكلت يديك من جرب تهام(٢)
  أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب مما أجاز لنا روايته عنه من حديثه وأخباره مما ذكره منها عن محمد بن سلَّام الجمحيّ عن أبي الغرّاف، وأخبرنا به أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر، قالا حدّثنا عمر بن شبّة [عن محمد(٣) بن سلَّام] عن أبي الغرّاف(٤):
  أن النابغة هاجى أوس بن مغراء؛ قال: ولم يكن أوس مثله ولا قريبا منه في الشعر؛ فقال النابغة: إني وإياه لنبتدر بيتا، أيّنا سبق إليه غلب صاحبه؛ فلما بلغه قول أوس:
  لعمرك ما تبلى سرابيل عامر ... من اللؤم ما دامت عليها جلودها
  قال النابغة: هذا البيت الذي كنا نبتدر إليه. فغلَّب أوس عليه.
  قال أبو زيد(٥): فحدّثني المدائنيّ أنهما اجتمعا في المربد(٦) فتنافرا وتهاجيا، وحضرهما العجّاج والأخطل وكعب بن جعيل، فقال أوس:
  /
  لمّا رأت جعدة منا وردا(٧) ... ولَّوا نعاما في البلاد(٨) ربدا(٩)
  إنّ لنا عليكم معدّا(١٠) ... كاهلها وركنها الأشدّا
(١) الفلج (بالتحريك): موضع لبني جعدة بن قيس بنجد، وهو في أعلى بلاد قيس، وفيه قال الراجز:
نحن بنو جعدة أرباب الفلج ... نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
(راجع «معجم ما استعجم» ج ٢ ص ٧١٤).
(٢) تهام: منسوب إلى تهامة. ويجوز في النسبة إلى تهامة تهامي (بكسر التاء وتشديد الياء) وتهام (بفتح التاء وحذف الياء) كيمان وشآم، أي إذا فتحت التاء حذفت الياء. وقال سيبويه: ومنهم من يقول: تهاميّ ويمانيّ وشآميّ بالفتح والتشديد. والألف في تهام (بفتح التاء وحذف الياء) أصلية وفي يمان وشآم عارضة. وقيل: إن تهاميا (بتخفيف الياء) منسوب إلى تهم بمعنى تهامة، فلما حذفت إحدى الياءين عوّضت عنها الألف. وعلى هذا تكون الألف عارضة في الكل.
(٣) التكملة عن م. إذ لم نجد في المراجع التي بين أيدينا أنّ عمر بن شبة يروى عن أبي الغرّاف وإنما الذي يروى عنه هو محمد بن سلام.
(٤) كذا في م، ج (بالغين المعجمة)، وهو الموافق لما في «طبقات الشعراء» للجمحيّ ص ٨١ و «النقائض» ص ٢٤٠)، وهو أبو الغرّاف الضبيّ. وفي باقي الأصول: «العرّاف» بالعين المهملة، وهو تصحيف.
(٥) في م: «قال ابن دريد فحدّثني أبو زيد أنهما ...».
(٦) المربد (كمنبر): موضع بالبصرة كان مجتمعا للقوم.
(٧) الورد (بالكسر): الجيش، وهو أيضا الإشراف على الماء وغيره دخله أو لم يدخله.
(٨) في م: «في الفلاة».
(٩) ربدا: جمع ربداء وهي من النعام ما كان لونها سودا مختلطا، وقيل: ما كان كله سوادا، وقيل: ما كان بين السواد والغبرة.
(١٠) معدّ: أبو حيّ من العرب. وإلى معد ينتسب أوس بن مغراء، وبهذا النسب يفخر على النابغة. وكاهل القوم: معتمدهم في الملمات وسندهم في المهمات، وهو مأخوذ من كاهل الظهر لأن عنق الفرس يتساند إليه إذا أحضر. قال الشاعر: