كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره

صفحة 19 - الجزء 5

  يوم الفلج:

  قال: وأما يوم الفلج، فإن بكر بن وائل بعثت عينا على بني كعب بن ربيعة حتى جاء الفلج - وهو ماء - فوجد النّعم بعضه قريبا من بعض، ووجد الناس قد احتملوا، فليس في النّعم إلا من لا طباخ⁣(⁣١) به من راع أو ضعيف؛ فجاءهم عينهم بذلك، فركبت بكر بن وائل يريدونهم، حتى إذا كانوا منهم بحيث يسمعون أصواتهم، سمعوا الصّهيل وأصوات الرجال؛ فقالوا لعينهم: ما هذا ويلك؟! قال: واللَّه ما أدري، وإن هذا لمما لم أعهد، فأرسلوا من يعلم علمهم؛ فرجع فأخبرهم أن الرجال قد رجعوا، ورأى / جمعا عظيما وخيولا كثيرة⁣(⁣٢)؛ فكَّروا راجعين من ليلتهم؛ وأصبحت بنو كعب فرأوا الأثر فاتبعوهم، فأصابوا من أخرياتهم رجالا وخيلا، فرجعوا بها.

  خداش بن زهير وهبيرة بن عامر:

  قال: وأما قوله:

  لو تستطيعون أن تلقوا جلودكم ... وتجعلوا جلد عبد اللَّه سربالا

  فإن السبب في ذلك أن هبيرة⁣(⁣٣) بن عامر بن سلمة بن قشير، لقي خداش⁣(⁣٤) بن زهير البكَّائيّ، فتنافرا على مائة من الإبل، وقال كل منهما لصاحبه: أنا أكرم وأعزّ منك؛ فحكَّما في ذلك رجلا من بني ذي الجدّين، فقضى بينهما أنّ أعزّهما وأكرمهما أقربهما من عبد اللَّه بن جعدة نسبا؛ فقال خداش⁣(⁣٤) بن زهير: أنا أقرب إليه، أمّ عبد اللَّه بن جعدة عمّتي - وهي أميمة بنت عمرو بن عامر - وإنما أنت أدنى إليه منّي منزلة بأب؛ فلم يزالا يختصمان في القرابة لعبد اللَّه دون المكاثرة بآبائهما إقرارا له بذلك، حتى فلج⁣(⁣٥) هبيرة القشيريّ وظفر.

  عبد اللَّه بن جعدة:

  قال أبو عمرو: وكان عبد اللَّه بن جعدة سيّدا مطاعا، وكانت له إتاوة بعكاظ يؤتى بها، يأتيه⁣(⁣٦) بها هذا الحيّ من الأزد وغيرهم؛ فجاء سمير⁣(⁣٧) بن سلمة القشيريّ وعبد اللَّه جالس على ثياب قد جمعت له من إتاوته، فأنزله عنها وجلس مكانه؛ فجاء رياح⁣(⁣٨) بن عمرو بن ربيعة بن عقيل - وهو الخليع، سمّي بذلك لتخلَّعه عن / الملوك لا يعطيهم الطاعة - فقال للقشيريّ: مالك ولشيخنا تنزله عن إتاوته ونحن ها هنا حوله! فقال القشيريّ: كذبت، ما هي له! ثم مدّ القشيريّ رجله فقال: هذه رجلي فاضربها إن كنت عزيزا؛ قال: لا! لعمري لا أضرب رجلك؛ فقال له القشيريّ: فامدد لي رجلك حتى تعلم أأضربها أم لا؛ فقال: ولا أمدّ لك رجلي، ولكن أفعل ما لا تنكره العشيرة


(١) الطباخ (رواه الإيادي بفتح الطاء والأزهريّ بضمها): القوّة والسمن.

(٢) كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «وخلقا كثيرا».

(٣) كذا في ط، ء، م وكتاب «النقائض» وفيما سيأتي في كل الأصول. وفي باقي الأصول هنا: «زهير» وهو تحريف.

(٤) كذا في ط، ء، م وكتاب «النقائض» وكذلك صححه الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي باقي الأصول: «خراش» بالراء، وهو تحريف.

(٥) فلج: فاز وغلب.

(٦) كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: ... ويأتيه بها ...» بزيادة الواو، وهو تحريف.

(٧) في ط، م، ء: «فجاء سليمان بن سلمة ...».

(٨) كذا في ط، ء: وكذلك صححه المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي م: «رماح» بالميم. وفي باقي الأصول: «رباح» بالباء الموحدة، وكلاهما تحريف.