1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره
  يوم الفلج:
  قال: وأما يوم الفلج، فإن بكر بن وائل بعثت عينا على بني كعب بن ربيعة حتى جاء الفلج - وهو ماء - فوجد النّعم بعضه قريبا من بعض، ووجد الناس قد احتملوا، فليس في النّعم إلا من لا طباخ(١) به من راع أو ضعيف؛ فجاءهم عينهم بذلك، فركبت بكر بن وائل يريدونهم، حتى إذا كانوا منهم بحيث يسمعون أصواتهم، سمعوا الصّهيل وأصوات الرجال؛ فقالوا لعينهم: ما هذا ويلك؟! قال: واللَّه ما أدري، وإن هذا لمما لم أعهد، فأرسلوا من يعلم علمهم؛ فرجع فأخبرهم أن الرجال قد رجعوا، ورأى / جمعا عظيما وخيولا كثيرة(٢)؛ فكَّروا راجعين من ليلتهم؛ وأصبحت بنو كعب فرأوا الأثر فاتبعوهم، فأصابوا من أخرياتهم رجالا وخيلا، فرجعوا بها.
  خداش بن زهير وهبيرة بن عامر:
  قال: وأما قوله:
  لو تستطيعون أن تلقوا جلودكم ... وتجعلوا جلد عبد اللَّه سربالا
  فإن السبب في ذلك أن هبيرة(٣) بن عامر بن سلمة بن قشير، لقي خداش(٤) بن زهير البكَّائيّ، فتنافرا على مائة من الإبل، وقال كل منهما لصاحبه: أنا أكرم وأعزّ منك؛ فحكَّما في ذلك رجلا من بني ذي الجدّين، فقضى بينهما أنّ أعزّهما وأكرمهما أقربهما من عبد اللَّه بن جعدة نسبا؛ فقال خداش(٤) بن زهير: أنا أقرب إليه، أمّ عبد اللَّه بن جعدة عمّتي - وهي أميمة بنت عمرو بن عامر - وإنما أنت أدنى إليه منّي منزلة بأب؛ فلم يزالا يختصمان في القرابة لعبد اللَّه دون المكاثرة بآبائهما إقرارا له بذلك، حتى فلج(٥) هبيرة القشيريّ وظفر.
  عبد اللَّه بن جعدة:
  قال أبو عمرو: وكان عبد اللَّه بن جعدة سيّدا مطاعا، وكانت له إتاوة بعكاظ يؤتى بها، يأتيه(٦) بها هذا الحيّ من الأزد وغيرهم؛ فجاء سمير(٧) بن سلمة القشيريّ وعبد اللَّه جالس على ثياب قد جمعت له من إتاوته، فأنزله عنها وجلس مكانه؛ فجاء رياح(٨) بن عمرو بن ربيعة بن عقيل - وهو الخليع، سمّي بذلك لتخلَّعه عن / الملوك لا يعطيهم الطاعة - فقال للقشيريّ: مالك ولشيخنا تنزله عن إتاوته ونحن ها هنا حوله! فقال القشيريّ: كذبت، ما هي له! ثم مدّ القشيريّ رجله فقال: هذه رجلي فاضربها إن كنت عزيزا؛ قال: لا! لعمري لا أضرب رجلك؛ فقال له القشيريّ: فامدد لي رجلك حتى تعلم أأضربها أم لا؛ فقال: ولا أمدّ لك رجلي، ولكن أفعل ما لا تنكره العشيرة
(١) الطباخ (رواه الإيادي بفتح الطاء والأزهريّ بضمها): القوّة والسمن.
(٢) كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «وخلقا كثيرا».
(٣) كذا في ط، ء، م وكتاب «النقائض» وفيما سيأتي في كل الأصول. وفي باقي الأصول هنا: «زهير» وهو تحريف.
(٤) كذا في ط، ء، م وكتاب «النقائض» وكذلك صححه الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي باقي الأصول: «خراش» بالراء، وهو تحريف.
(٥) فلج: فاز وغلب.
(٦) كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: ... ويأتيه بها ...» بزيادة الواو، وهو تحريف.
(٧) في ط، م، ء: «فجاء سليمان بن سلمة ...».
(٨) كذا في ط، ء: وكذلك صححه المرحوم الأستاذ الشنقيطي في نسخته. وفي م: «رماح» بالميم. وفي باقي الأصول: «رباح» بالباء الموحدة، وكلاهما تحريف.