كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره

صفحة 20 - الجزء 5

  وما هو أعزّ لي وأذلّ لك؛ ثم أهوى إلى رجل القشيريّ فسحبه على قفاه ونحّاه، وأقعد عبد اللَّه بن جعدة مكانه.

  قال: وعبد اللَّه بن جعدة أوّل من صنع الدّبّابة⁣(⁣١)؛ وكان السبب في ذلك أنهم انتجعوا⁣(⁣٢) ناحية البحرين، فهجموا على عبد لرجل يقال له كودن⁣(⁣٣) في قصر حصين، فدخّن العبد ودعا النساء والصبيان، فظنوا أنه يطعمهم ثريدا، حتى إذا امتلأ القصر منهم أغلقه عليهم، فصاح النساء والصبيان، وقام العبد ومن معه على شرف القصر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا رماه؛ فلما رأى ذلك عبد اللَّه بن جعدة صنع دبّابة على جذوع النخل وألبسها جلود الإبل، ثم جاء بها والقوم يحملونها حتى أسندوها إلى القصر، ثم حفروا حتى خرقوه⁣(⁣٤)؛ فقتل العبد / ومن كان معه واستنقذ صبيانهم ونساءهم. فذلك قول النابغة:

  ويوم دعا ولدانكم عبد كودن ... فخالوا لدى الدّاعي ثريدا مفلفلا

  وفي ابن زياد وهو عقبة خيركم ... هبيرة ينزو في الحديد مكبّلا

  يعني هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير، وكان عبد اللَّه بن مالك بن عدس بن ربيعة بن جعدة خرج ومعه مالك بن عبد اللَّه بن جعدة، حتى مرّوا على بني⁣(⁣٥) زياد / العبسيّين والرجال غيب، فأخذوا ابنا لأنس⁣(⁣٦) بن زياد وانطلقوا به يرجون الفداء؛ وانطلق عمّه عمارة بن زياد حتى أتى بني كعب، فلقي هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير، فقال له: يا هبيرة إن الناس يقولون: إنك بخيل؛ قال: معاذ اللَّه! قال: فهب لي جبّتك هذه؛ فأهوى ليخلعها، فلما وقعت⁣(⁣٧) في رأسه وثب عليه فأسره، ثم بعث إلى بني قشير: عليّ وعليّ إن قبلت من هبيرة أقلّ من فدية حاجب⁣(⁣٨) إلا أن يأتوني بابن أخي الذي في أيدي بني جعدة؛ فمشت بنو قشير إلى بني جعدة، فاستوهبوه منهم فوهبوه لهم، فافتدوا به هبيرة.

  وحوح أخو النابغة:

  وأما خبر وحوح أخي النابغة الذي تقدّم ذكره مع نسب أخيه النابغة، فإن أبا عمرو ذكر أن بني كعب أغارت على بني أسد فأصابوا سبيا وأسرى، فركبت بنو أسد في آثارهم حتى لحقوهم بالشّريف⁣(⁣٩)، فعطفت بنو عدس بن


(١) الدبابة: آلة تتخذ من جلود وخشب للحرب يدخل فيها الرجال ويقربونها من الحصن المحاصر لينقبوه وهم في جوفها فتقيهم ما يرمون به من فوقهم.

(٢) الانتجاع: طلب الكلا ومساقط الغيث.

(٣) في م: «كوذن» بالذال المعجمة.

(٤) كذا في ط، ء، م. وفي سائر الأصول: «حفروه».

(٥) كذا في ط، ء: «بني زيد العبسيين». وفي م: «بني زيد والعبسيين» وكلاهما تحريف.

(٦) كذا في ط، ء، م، وهو أنس بن زياد العبسيّ ويسمى أنس الفوارس، س وله حديث في يوم أقرن. (راجع «النقائض» ص ١٩٤، ٦٧٩). وفي سائر الأصول: «أوس»، وهو تحريف.

(٧) في ط، ء، م: «وقفت» بالفاء.

(٨) هو حاجب بن زرارة، وهو من الذين يضرب المثل بفدائهم في الوفرة، ومثله في ذلك بسطام بن قيس والأشعث بن قيس بن معديكرب الكندي. (راجع «كتاب ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه» - حرف الفاء). وسيأتي خبر أسر حاجب بن زرارة هذا وفدائه في «الأغاني» (ج ١٠ ص ٤٢ طبع بولاق).

(٩) كذا في ط، ء، والشريف (بصيغة التصغير): ماء لبني نمير، وقيل: إنه واد بنجد. وفي سائر الأصول: «السديف» (بالسين والدال المهملتين) وهو تحريف.