3 - ذكر الهذلي وأخباره
  فلم تجبني وأعرضت صلفا ... وغادرتني بحبّها كلفا
  الغناء للهذليّ ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى.
  رقص أشعب ابنه وقال هذا ابن مزامير داود:
  أخبرني إسماعيل بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة عن إسحاق قال:
  زوّج ابن سريج لما حضرته الوفاة الهذليّ الأكبر بابنته، فأخذ عنها أكثر غناء أبيها، وادّعاه فغلب عليه. قال:
  وولدت منه ابنا؛ فلما أيفع جاز يوما بأشعب وهو جالس في فتية من قريش، فوثب فحمله على كتفه وجعل يرقّصه ويقول: هذا ابن دفّتي المصحف وهذا ابن مزامير داود؛ فقيل له: ويلك! ما تقول / ومن هذا الصبيّ؟ فقال: أو ما تعرفونه! هذا ابن الهذليّ من ابنة ابن سريج، ولد على عود، واستهلّ بغناء، وحنّك(١) بملوى(٢)، وقطعت سرّته بوتر(٣)، وختن بمضراب.
  إسحاق الموصلي وحديثه عن مطرف أخذه من إبراهيم بن المهدي:
  وذكر يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن عبد اللَّه بن عيسى الماهانيّ قال:
  دخلت يوما على إسحاق بن إبراهيم الموصليّ في حاجة، فرأيت عليه مطرف خزّ أسود ما رأيت قطَّ أحسن منه؛ فتحدّثنا إلى أن أخذنا في أمر المطرف، فقال: لقد كان لكم أيّام حسنة ودولة عجيبة؛ فكيف ترى هذا؟ فقلت له: ما رأيت مثله؛ فقال: إنّ قيمته مائة ألف درهم، وله حديث عجيب؛ فقلت: ما أقوّمه إلا بنحو مائة دينار؛ فقال إسحاق: شربنا يوما من الأيام فبتّ وأنا مثخن(٤)، فانتبهت لرسول محمد الأمين، فدخل عليّ فقال: يقول لك أمير المؤمنين: عجّل؛ وكان بخيلا على الطعام، فكنت آكل قبل أن أذهب إليه؛ فقمت فتسوّكت وأصلحت شأني، وأعجلني الرسول عن الغداء فقمت معه فدخلت عليه، وإبراهيم بن المهديّ قاعد عن يمينه وعليه هذا المطرف وجبّة خزّ دكناء(٥)؛ فقال لي محمد: يا إسحاق، أتغدّيت؟ قلت: نعم يا سيّدي؛ قال: إنك لنهم، أهذا وقت غداء! فقلت: أصبحت يا أمير المؤمنين وبي خمار فكان ذلك مما حداني على الأكل؛ فقال لهم: كم شربنا؟ فقالوا: ثلاثة أرطال، فقال: اسقوه إياها؛ فقلت: إن رأيت أن تفرّق عليّ!؛ فقال: يسقى رطلين ورطلا؛ فدفع إليّ رطلان فجعلت أشربهما / وأنا أتوهم أن نفسي تسيل معهما، ثم دفع إليّ رطل آخر فشربته، فكأنّ شيئا انجلى عني؛ فقال غنّني:
  كليب لعمري كان أكثر ناصرا
  فغنّيته، فقال: أحسنت وطرب؛ ثم قام فدخل - وكان كثيرا [ما] يدخل إلى النساء ويدعنا - فقمت في إثر
(١) استهل الصبيّ: رفع صوته بالبكاء عند الولادة.
(٢) التحنيك: أن تمضغ التمر ثم تدلكه بحنك الصبي، وفي حديث النبيّ ﷺ: أنه كان يحنك أولاد الأنصار.
(٣) الملوى: من أجزاء العود (انظر الكلام على العود وأجزائه في مقدمة الجزء الأوّل من هذا الكتاب طبع دار الكتب المصرية).
(٤) في ط، ء، م: «بزير» والزير: أحد أوتار العود.
(٥) يقال: أثخنته الجراحة: أوهنته وأضعفته، والمراد هنا غلبة السكر عليه.
(٦) الدكناء: المائلة إلى السواد.