كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

4 - ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره

صفحة 58 - الجزء 5

  إنك إن سألت شيئا أمما ... جاء به الكري⁣(⁣١) أو تجشّما

  والصّقب: الملاصقة. تقول: واللَّه ما صاقبت فلانا ولا صاقبني، ودار فلان مصاقبة لدار فلان؛ وفي الحديث: «الجار أحقّ بصقبه» أي بما لاصقه، أي إنه أحقّ بشفعته. والسّورة: شدّة الأمر، ومنه يقال: ساور فلان فلانا، وتساور الرجلان إذا تغالبا وتشادّا؛ وقيل إن السّورة: البقيّة أيضا.

  ومنها:

  صوت

  ما نقموا من بني أميّ ... ة إلَّا أنهم يحلمون إن غضبوا

  وأنّهم سادة الملوك فما ... تصلح إلَّا عليهم العرب

  غنّت في هذين البيتين حبابة، وهما من⁣(⁣٢) القصيدة التي أوّلها:

  عاد له من كثيرة الطَّرب

  قال الأصمعيّ: كثيرة هذه امرأة نزل بها بالكوفة فآوته. قال ابن قيس: فأقمت عندها سنة تروح وتغدو عليّ بما أحتاج إليه، ولا تسألني عن حالي ولا نسبي؛ فبينا أنا بعد سنة مشرق من جناح⁣(⁣٣) إلى الطريق، إذا أنا بمنادي عبد الملك ينادي ببراءة الذمّة ممن أصبت عنده؛ فأعلمت المرأة أني راحل؛ فقالت: لا يروعنّك ما سمعت، فإن هذا نداء شائع منذ نزلت بنا، فإن أردت المقام ففي الرّحب والسّعة، وإن أردت الانصراف أعلمتني؛ فقلت لها:

  لا بدّ لي من الانصراف؛ فلما كان الليل، قدّمت إليّ راحلة عليها جميع ما أحتاج إليه في سفري؛ فقلت لها: من / أنت - جعلت فداءك - لأكافئك؟ قالت: ما فعلت هذا لتكافئني؛ فانصرفت ولا واللَّه ما عرفتها إلا أني سمعتها تدعى باسمها «كثيرة»، فذكرتها في شعري.

  فتك عبد اللَّه بن علي ببني أمية لشعر له:

  وذكر الزبير بن بكَّار عن عمّه / مصعب أن عبد اللَّه بن عليّ بن عبد اللَّه بن عبّاس صاحب بني أمية بنهر أبي فطرس، إنما بعثه على قتلهم أنه أنشده بعض الشعراء ذات يوم مديحا مدح به بني هاشم؛ فقال لبعضهم: أين هذا مما كنتم تمدحون به! فقال: هيهات أن يمدح أحد بمثل قول ابن قيس فينا:

  ما نقموا من بني أميّة إ ... لَّا أنهم يحلمون إن غضبوا

  البيتين؛ فقال له عبد اللَّه بن عليّ: ألا أرى المطمع في الملك في نفسك بعد يا ماصّ كذا من أمّه! ثم أوقع بهم.


(١) الكريّ: الذي يكري الدواب.

(٢) كذا في م. وفي سائر الأصول: «وهي» بالإفراد.

(٣) الجناح: الروشن (الروشن: الكوة) يقال: أشرع فلان جناحا إلى الطريق أي روشنا.