4 - ذكر عبيد الله بن قيس الرقيات ونسبه وأخباره
  قال حكم الوادي: دخلت يوما على يحيى بن خالد. فقال لي: يا أبا يحيى، ما رأيك في خمسمائة دينار قد حضرت؟ قلت: ومن لي بها؟ قال: تلقي لحنك في:
  ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا
  / على دنانير فها هي ذه، وهذا سلام واقف معك ومخرجها إليك، وأنا راكب إلى أمير المؤمنين، ولست أنصرف من مجلس المظالم إلى وقت الظهر، فكدّها فيه، فإذا أحكمته فلك خمسمائة؛ فقالت دنانير: يا سيّدي، أبو يحيى يأخذ خمسمائة دينار وينصرف وأنا أبقى معك أقاسيك عمري كلَّه! فقال لها: إن حفظتيه فلك ألف / دينار، وقام فمضى؛ فقلت لها: يا سيّدتي اشغلي نفسك بذا، فإنك أنت تهبين لي الخمسمائة الدينار بحفظك إيّاه وتفوزين بالألف الدينار، وإلا بطل هذا، فلم أزل معها أكدّها ونفسي وتغنّيني حتى انصرف يحيى، فدعا بماء وطست، ثم قال: يا أبا يحيى، غنّ الصوت كما كنت تغنّيه - فقلت: هلكت! يسمعه منّي، وليس هو بمن يخفى عليه، ثم يسمعه منها فلا يرضاه - فلم أجد بدّا من الغناء؛ ثم قال: غنّيه أنت الآن؛ فغنّت؛ فقال: واللَّه ما أرى إلا خيرا؛ فقلت: جعلت فداءك! أنا أمضغ هذا منذ أكثر من خمسين سنة كما أمضغ الخبز، وهذه أخذته الساعة وهو يذلّ لها بعدي وتجترئ عليه ويزداد(١) حسنا في صوتها؛ فقال: صدقت، هات يا سلام خمسمائة دينار ولها ألف دينار، ففعل؛ فقالت له: وحياتك يا سيّدي لأشاطرنّ أستاذي الألف الدينار؛ قال: ذلك إليك، ففعلت؛ فانصرفت وقد أخذت بهذا الصوت ألف دينار.
  رجع الحديث إلى عبيد اللَّه بن قيس الرقيات.
  شعر ابن قيس الرقيات في كثيرة التي نزل بها بالكوفة:
  قال الزبير بن بكار حدّثني عبد اللَّه بن النّضير عن أبيه:
  أن ابن قيس الرقيّات قال في الكوفيّة التي نزل عليها:
  بانت(٢) لتحزننا كثيره ... ولقد تكون لنا أميره
  / حلَّت فلاليج(٣) السّوا ... د وحلّ أهلي بالجزيره
  قال: ولقد رحل من عندها وما يتعارفان.
  قال: وقال فيها أيضا - وفيه لحن من خفيف الثقيل لابن المكيّ -:
  صوت
  لججت بحبّك أهل العراق ... ولولا كثيرة لم تلجج
  فليت كثيرة لم تلقني ... كثيرة أخت بني الخزرج
(١) كذا في ط، ء، م. وفي باقي الأصول: «وتزداد» بالتاء.
(٢) هذان البيتان من قصيدة عدد أبياتها خمسة وعشرون بيتا، وهي مذكورة في ديوانه المخطوط بقلم المرحوم الشيخ الشنقيطي المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم ٨٨ أدب ش وديوانه المطبوع بقينا (ص ١١٥).
(٣) فلاليج السواد: قراه، واحدها فلوجة. والمراد بالسواد العراق، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار.